استعرض ممثلو منظمات صحية أهلية ودولية أرقاماً صادمة تعكس الواقع الصعب للقطاع الصحي في قطاع غزة، بفعل الانقسام الداخلي القائم منذ عشرة أعوام، بالإضافة إلى الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على القطاع.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمتها شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش ايبرت" الألمانية بغزة بعنوان: "تكلفة الانقسام على القطاع الصحي في قطاع غزة".
وأكد المشاركون على أن الخدمات الصحية المقدمة لنحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحاصر مهددة بالانهيار التام، مطالبين أطراف الانقسام بتحييد القطاع الصحي عن التجاذبات السياسية والمناكفات.
كما طالبوا حكومة التوافق الوطني بتحمل كامل مسؤولياتها، وأن تقوم بتزويد وزارة الصحة في غزة بنصيبها واحتياجاتها من الأدوية والمستهلكات الطبية وكل ما يضمن استمرار الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين في ظل التردي في مناحي الحياة كافة.
بدوره، قال عضو الهيئة الإدارية في شبكة المنظمات الأهلية الدكتور عائد ياغي في كلمتة الافتتاحية، إن هدف الورشة هو تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في تحقيق الوحدة الوطنية ومواجهة الانقسام السياسي الداخلي وتداعياته الخطيرة على مناحي الحياة كافة، خصوصا القطاع الصحي.
وأوضح ياغي أن الاحتلال "الإسرائيلي" هو المسبب الرئيسي لكل أشكال المعاناة التي يواجهها السكان في قطاع غزة، حيث جاء الانقسام ليزيد من التدهور، خاصة بعد توالي أزمات الكهرباء ونقص الوقود، ونقص الأدوية، وغيرها من الأزمات التي تتهدد حياة المواطنين.
وشدد على أن القطاع الصحي الأهلي لا يشكّل بديلاً عن المؤسسات الصحية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي يتوجب عليها تحمل المسؤولية الأكبر عن توفير الخدمات الصحية للمواطنين، مستعرضاً الجهود التي بذلها ويبذلها القطاع الصحي في شبكة المنظمات الأهلية لضمان تمتع أبناء الشعب الفلسطيني بحقهم في الصحة.
وفي كلمته أشار مدير مؤسسة فريدريش ايبرت الألمانية بغزة د.أسامة عنتر، إلى الآثار الكارثية المترتبة على الانقسام السياسي وعدم ممارسة الحكومة عملها وتحملها لمسؤولياتها الكاملة تجاه قطاع غزة، لافتاً إلى أن سلسلة الأزمات التي يمر بها القطاع الصحي في قطاع غزة من نفاذ ونقص في العديد من أصناف الأدوية والمستلزمات الطبية وانقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة لفترات طويلة، وشح للوقود الخاص بتشغيل مولدات الكهرباء في معظم المستشفيات والعيادات والمراكز الصحة التابعة لوزارة الصحة في قطاع غزة، ينعكس سلباً على صحة المواطن الفلسطيني، وينذر بوضع صحي كارثي نتيجة لعدم القدرة على تقديم الخدمات للمرضى مما ينعكس بشكل خطير على حياتهم وأوضاعهم الصحية.
من جهته، أكد مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية د.ياسر أبو جامع، على أن الانقسام الداخلي عمّق من الأزمات الصحية في غزة مشيراً إلى أن مليوني فلسطيني في غزة يواجهون تحديات وآثار نفسية واجتماعية وصحية خطيرة بفعل الانقسام الداخلي، حيث تضاعفت أعداد المرضى الذين يحتاجون السفر من أجل العلاج، بفعل النقص الحاد في الأدوية والمعدات والمستهلكات الطبية.
وشدد أبو جامع على أهمية الحشد والمناصرة والتشبيك، الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني، من أجل التخفيف من حدة الآثار السلبية للانقسام على مختلف قطاعات الحياة، بما فيها القطاع الصحي.
ودعا إلى ضرورة التنسيق بين مؤسسات القطاع الصحي الأهلي، والضغط على طرفي الانقسام، من أجل تحييد القطاع الصحي عن خلافاتهم السياسية، وضمان حق مليوني فلسطيني بالحصول على الخدمات الصحية.
من ناحيته، ركز مسؤول المناصرة في منظمة الصحة العالمية محمد لافي في مداخلته، على تداعيات الانقسام على الواقع الصحي، مستعرضاً جملة من الأرقام الصادمة التي تخص مخزون الدواء والمستهلكات الطبية في مخازن وزارة الصحة في غزة، والعجز الكبير فيها، وتأثير ذلك على حياة المرضى بشكل مباشر.
وبيّن أن قطاع غزة تحيطه مجموعة من الظروف والعوامل التي تؤثر اجمالاً على الحياة، خاصة الخدمات الصحية والحال الصحية للمواطنين، وأهمها الاحتلال والحصار والانقسام، والتي أثرت بشكل سلبي خطير، وتسببت في تدهور الواقع الصحي خلال السنوات العشر الماضية.
ونوه لافي إلى أن التدهور شمل المحددات الاجتماعية في السنوات الأخيرة، مع ازدياد نسبة الفقر والبطالة وقلة دخل الفرد بمعدلات غير مسبوقة، ويشمل التدهور جودة المسكن لكثير من الاسر، وعدم الحصول على مصدر جيد للماء والكهرباء والعيش في بيئة نظيفة وامنه والأمن الغذائي للسكان، إلى جانب العوامل التي تتأثر بها الخدمات الصحية كازدياد العبء على العلاج في الخارج وتعقيدات إضافية على حرية الحركة وسفر المرضي على المعابر.
كما استعرض لافي الحالة الصحية للسكان، استناداً إلى المؤشرات الصحية التي شهدت حال ركود في السنوات العشر الأخيرة، ضارباً المثل بمؤشر المواليد الذي ما زال يراوح مكانه بمعدل 20 وفاة لكل 1000 حالة ولادة.
وأشار لافي إلى أن هناك تدهوراً في المؤشرات الخاصة بمرضى السرطان رغم تحسنها في أماكن كثيرة في العالم، فقد انخفضت نسبة فرص النجاة لمريضات سرطان الثدي من 59% قبل 10 سنوات الى 46% حالياً.
وأكد على أن غالبية الناس في غزة لا يستطيعون التوجه للقطاع الصحي الخاص، بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتزداد مع ذلك حالات المرض، وتؤدي إلى الوفاة، بسبب أمراض ليست مميتة، في ظل توفر خدمات جيدة.
من جانبه، أكد مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس على أن سكان غزة يعيشون ظروفاً صعبة وحال من اليأس والارتباك، وهم الذين يدفعون تكلفة الانقسام على مدار عشرة أعوام، بما له من انعكاسات خطيرة على كل مناحي الحياة، بما فيها القطاع الصحي.
ونوه يونس إلى المعاناة الشديدة لمرضى السرطان، الذين يفتقدون العلاج في غزة، وتبدأ رحلة معاناتهم بمجرد حصولهم على تصريح السفر للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والداخل، مستعرضاً في هذا الصدد تجربته الشخصية مع مرض السرطان ورحلة العلاج المريرة.
وحمّل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن عدم توفر جهاز العلاج الاشعاعي لمرضى السرطان في غزة، رغم أن المؤشرات الصحية تقول إن كل مليوني نسمة بحاجة إلى جهازين، الأمر الذي يزيد العبء على ملف التحويلات للعلاج في الخارج.
وطالب يونس حكومة التوافق الوطني بمعاينة الوضع الصحي عن كثب، وأن تعمل على حل كافة الأزمات التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي والمهم للآلاف من المرضى، والعمل على إنهاء الانقسام وتداعياته الخطيرة والضغط على الاحتلال لإنهاء الحصار والعقاب الجماعي.
ودعا مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا في ختام الورشة، إلى ضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الصحية في الضفة الغربية وقطاع غزة والتداعي بشكل عاجل من أجل التحرك المشترك للضغط على صناع القرار لضمان استمرارية الخدمات الصحية، وتحييد القطاع الصحي عن التجاذبات والصراعات السياسية الداخلية.