رسالة حميمة إلى أبو العبد هنية
بقلم: د. محمد المصري
أتوجه إليك أخي أبو العبد "إسماعيل هنية" بهذه الرسالة الحميمة من كل قلبي، ذلك أنني أعتقد أن المخاطر الحالية والتي قد تكون في المستقبل، مخاطر كبيرة وشاملة، لا يستطيع أي فصيل أن يواجهها بمفرده، ولا يستطيع شعبنا أن يتصدى لها بهذا التمزق والتشتت واختلاف الأدوات واختلاف المرجعيات.
اخترت أن أكتب إليك هذه الرسالة الآن لأني أخاطب فيكم حميتكم وغيرتكم وتاريخكم وتاريخ كل من مضى على هذا الدرب، واخترت أن أكتب إليك بهذا العلن لأنها ليست موجهة لك كشخص فقط، وإنما هي لنا جميعاً، إذ لابد من التذكير ولابد من التحديق في المرآة، ولابد من النقد والمصارحة والمكاشفة.
واسمح لي أن أستعرض معك المشهد الآن في منطقتنا، إذ وبعد أن غادرنا ترامب وألقى علينا ما ألقى، فإن صدى لقاءاته أخذت بالتكشف والوضوح، وما يهمنا في هذا كله، قضيتنا الفلسطينية وصراعنا مع الاحتلال الذي اعتبر أن نتائج زيارة الرئيس الأمريكي قد صبّت إلى حدٍ ما في صالحه.
وما يخصنا في هذا، بعيداً عن القواعد الجديدة التي وضعها ترامب للتسوية (تفاوض مباشر، تسهيلات اقتصادية، سلام إقليمي، عدم ممارسة الضغوط على إسرائيل، إسقاط حل الدولتين، بناء صفقة لا يمكن أن ترفضها الأطراف)، كل ذلك ببراعة رجل المبيعات الذكي، بعيداً عن ذلك كله، نريد أن نتناول ما قاله ترامب حول حماس، واصفاً إياها بالإرهاب، إن هذا الوصف الذي نرفضه بالطبع ونعتقد أنه تبسيط مُضر للواقع، وأنه يخدم رؤية إسرائيل ويصورها – أي إسرائيل – كجزء من العالم الحر الذي يقاتل الإرهاب، فأن يقول ترامب إن حماس إرهابية يعني أن رعاة أو حماة أو أصدقاء حماس في المنطقة سيتعرضون للملاحقة والتهميش، هذا إذا لم يصل الأمر إلى التهديد المباشر للرؤوس أو للدولة ككيان، وقد رأينا مستوى التمثيل التركي في قمة الرياض الأمريكية الإسلامية كيف اقتصرت على وزير الخارجية فقط، وهذا لاستشعار تركيا بالخطر، ورأينا وسمعنا الضجيج المدوي للخلاف السعودي الإماراتي من جهة وقطر من جهة أخرى، فما يجري لا يمكن تفسيره باختراق الموقع الإلكتروني أو خطأ غير مقصود أو أن بعض الكلمات وُضعت في غير سياقها، المسألة أعمق من ذلك بكثير، المسألة تتعلق بتوجيه رسالة محلية لقطر، أن عليها أن تفك ارتباطها مع الإخوان المسلمين عموماً وحركة حماس خصوصاً.
وإذا كانت رسالة ترامب واضحة للإقليم كله، فإن حركة حماس الفلسطينية، أخي أبو العبد، التي نرى أنها جزء من المجتمع الفلسطيني ومن قواه الأساسية، عليها أن تتوقف ملياً وتعيد حساباتها وتراجع تحالفاتها الآن وقبل فوات الأوان.
لا نرغب لحماس أخي أبو العبد أن تبقى خارج البيت، ولا نرضى لحماس أن تُستهدف وأن تُحاصر، وأن تُهدد أيضاً، وقد كان تصريح السفير العمادي قبل عدة أيام واضحاً حينما قال إن الأسواء قادم لقطاع غزة، وكأنه يُمهد الطريق لخطوات قاسية قد تتخذها قطر من أجل أن تنجو من الحصار والتهميش الخليجي، لهذا، فإن حركو حماس لابد لها أيضاً أن تفكر في خياراتها التي تجنبها وتجنب شعبنا في القطاع وحيثما تواجد من مواجهات لا تفيد ومعارك لا تخدم الأهداف الوطنية، ألا تتفق معي يا أخي أبو العبد على ذلك؟!
وعليه، فإننا نناشدك أن تكون المصالحة الوطنية هي الخيار الوحيد والأوحد، إذ أن هذا الخيار يحمي حركة حماس من أن يُستفرد بها أو يُنكّل بها أو يُنزع عنها الشرعية أو أن تبقى وحيدة عُرضة لعروض إقليمية لا تخدم، أو فريسة لأطماع قد لا تكون الحركة قادرة على مواجهتها، البيت الفلسطيني هو الأدفأ والأرحم والأرحب والأوسع، ستجد حركة حماس أن كل الفصائل يرحبون بها على أساس مشترك وجامع من الثوابت الوطنية.
إن المصالحة الوطنية ستحمي حماس من وصفها بالإرهاب أو وصمها بالخروج عن الإرادة الشعبية الفلسطينية، ولا نقول هذا من باب كسر حماس أو إذلالها أو اقتناص الفرصة لتشويه مواقفها، على العكس من ذلك، إذ أن هذا النداء هو من منطلق النديّة والرغبة في التشارك والتعاون.
وهي فرصة لحركة حماس أن تؤكد رغبتها في أن تكون شريكاً لا وريثاً، وأن تكون سنداً لا موازياً، وأن تكون أحد أعمدة البيت لا بيتاً بعيداً وفي حارة أخرى.
وأتوجه إلى أخينا أبو العبد "إسماعيل هنية" فأنت الآن في قيادة حركة حماس، ويعني هذا أنك أنت الأمين على حركة صنع تاريخها أصدقاؤك وزملاؤك الذين قضوا اغتيالاً بأبشع الصور، الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب (أبو حسن) وآخرون، ومطلوب منك أن تكمل وتحفظ وتحمي، ومطلوب منك أن تقود دون أن تتضرر أو تُضرر أو تصطدم أو تُصدم، برقبتك يا أبو العبد دماء أهالينا في قطاع غزة، وبين يديك أمانة عظيمة ستُسأل عنها أمام الله، فماذا تقول إذا سألك خالقك عن الانقسام وسنواته العشر التي تنقضي في الشهر المقبل؟! فهل سننتظر عشر سنوات أخرى من الانقسام؟!
أخونا أبو العبد، نحن نخاف عليكم، لأنكم جزء أصيل من شعبنا، ونخاف على شعبنا، وإذا طلبنا منك يا أبو العبد أن تُعيد حساباتك ومواقفك، فإننا نعتقد أن هذا مطلب حق، ذلك أن ما أعلنتموه في وثيقتكم يفتح لك المجال أن تتعامل مع الأوضاع الجديدة في الإقليم والعالم، وهي أوضاع جديدة تعاد فيها الأحلاف على قاعدة الحفاظ على الرأس أو على النظام، لا أخلاق ولا مبادئ ولا عقائد، وفي عالم جديد من هذا النوع، عالم قاسٍ وشرس، لا نريدك يا أبو العبد، لا أنت ولا حركتك ولا شعبنا في القطاع والضفة والشتات وحيداً، حيث يمكن للذئاب أن تأكله، نريدك يا أبو العبد معنا، وعندما أقول معنا، أقصد شعبنا الفلسطيني كله، حيث نقاط الالتقاء كثيرة، وحيث يمكن للكل أن يجد قيمته ودوره وعمله، وحيث الكل يشترك في ضريبة، البقاء والدم، ليس على قاعدة الاستبدال أو الوراثة، وإنما على قاعدة الشراكة الكاملة.
عندما نتوجه إليك يا أبو العبد بهذا الكلام الشخصي، والحميمي، فإن ذلك بسبب معرفتي الشخصية بك، إذ بيننا أكثر من الخبز والملح، وأكثر من مجرد المعرفة العابرة، ولهذا، أقول لك أن عليك أن تُعيد حساباتك، فالهجمة قوية وكبيرة، والمسافة بيننا أقصر بكثير من أية أطراف يمكن أن تقذف بطوق النجاة، فممنوع يا أبو العبد التورط بأحلاف غريبة، أو شراكات غير مأمونة.
ولهذا، نطلب منك أن تتوجه فقط إلى البيت الفلسطيني لا بيادر الآخرين، أعط فرصة لحكومة الوفاق أن تعمل، وأعط فرصة للمنظمة أن تتفاوض وأن تمنح الشرعية لكل الفصائل، بادر إلى إلغاء لجنة إدارة غزة، أثبت أن حركة حماس راغبة في الشراكة، حان الوقت للتخلص من سياسة الازدواج والمواربة والباب الدوّار، بيديك اليوم أن تطلق خطاباً تصالحياً ينهي التوتر والاحتقان والتوجس.
ننتظر منك اليوم يا أبو العبد أن تقول شيئاً جديداً، وإذا قلت ما نتأمل، فستجد الأخ أبو مازن أقرب إليك من كل الناس، وأنت تعرف من هو أبو مازن.
وأذكّرك في هذا الصدد بكلام المرحوم الشهيد عبد العزيز الرنتيسي عن الرئيس أبو مازن، حيث وصفه بأنه "لن يفرط ولن يخون، وأنه الصادق الصدوق"، وأنت تعلم ذلك، وننتظر منك الكلام.