تدفيع الثمن هو شعار يستخدمه المستوطنون للانتقام من الفلسطينيين بعد كل حادث في الأراضي المحتلة أو بعد أي قرار دولي ضد الاحتلال، بما في ذلك أي تصريح سياسي يدعو لوقف الاستيطان أو إزالة أية بؤرة استيطانية، وبعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للمنطقة وحشده القمم الثلاث لمواجهة الإرهاب وإيران ودعوته المجردة من أية مضامين تفصيلية للسلام، بدا وكأن حكومة بنيامين نتنياهو التي كانت تخشى طرح مبادرة أمريكية لدفع المفاوضات إلى الأمام بدأت في سياسة تدفيع الثمن للفلسطينيين من حيث إن نتنياهو أبدى موقفاً متشدداً تجاه الأسرى الفلسطينيين بمقارنته بين منفذ اعتداء مانشستر والأسرى الفلسطينيين حيث قال بحضور الرئيس ترامب إن منفذ الهجوم كان سيتقاضى راتباً من السلطة الفلسطينية لو كان فلسطينيا، في إشارة إلى مطالب «إسرائيلية» طرحتها واشنطن نيابة عنها بضرورة وقف مخصصات عائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، كما أعلنت «إسرائيل» عن مشاريع جديدة للاستيطان خاصة وأن الرئيس الأمريكي لم ينبس ببنت شفة حول الاستيطان، ولوحظ أن نتنياهو قبل وأثناء زيارة ترامب ركز على المشروع النووي الإيراني وليس على التدخلات الإيرانية في دول الجوار لأن ما تخشاه «إسرائيل» هو المشروع النووي وليس التدخل الإيراني في البلاد العربية.
فالصراع بين إيران و«إسرائيل» هو صراع على مناطق النفوذ في الجسد العربي ليس إلا، أما الإرهاب وجماعاته فهي خارج الحسابات «الإسرائيلية» لأن «إسرائيل» تعيش مرحلة من الوئام مع كل الجماعات الإرهابية في المنطقة،وقد اجتهد نتنياهو لكي يعلن الرئيس ترامب ان «إسرائيل» ليست مصدر المعلومات الاستخبارية الحساسة عن الجماعات الإرهابية في سوريا بشأن الكشف عن مخطط لتفجير طائرة أمريكية بواسطة قنبلة في جهاز حاسوب محمول وتفاصيل أخرى، وهي المعلومات التي نقلها ترامب إلى وزير الخارجية الروسي لافروف في اجتماعهما الأخير في واشنطن، والسبب هو أن «إسرائيل» لا تخشى الكشف عن عميل لها زرعته في داعش بل لأن «إسرائيل» تقيم علاقات حسن جوار مع أغلب الجماعات المعارضة في سوريا خاصة النصرة و«داعش». وقد تلقى قرابة 15 ألفاً من جرحى هذه الجماعات العلاج في المشافي «الإسرائيلية» وقام مسؤولون كبار من «النصرة» و«أحرار الشام» بزيارة «إسرائيل» لإقناع بعض قادة الجماعات الجرحى من «القاعدة» سابقاً و«داعش» و«النصرة» للانضمام إلى «أحرار الشام»
وجماعة «الإخوان». ف «إسرائيل» تملك بنك معلومات من داخل هذه الجماعات ومن الجرحى ولديها اجتماعات تنسيقية على الحدود مع قادة الجماعات. وهي الدولة الوحيدة التي تنسق مع الإرهاب وجماعاته في المنطقة أكثر من غيرها. ولذلك لم يسهب «الإسرائيليون» في الحديث عن مواجهة الإرهاب وجماعاته بل جاهر ضباط «إسرائيليون» بضرورة عدم محاربة «داعش» ، بل أكدوا ضرورة مواجهة المشروع النووي الإيراني.
عملياً تتعامل «إسرائيل» مع قضايا المنطقة بانتقائية تخدم مصالحها فقط، وهي تأمل في أن تكون مبادرة السلام العربية أولى ضحايا التقارب مع العالم العربي أي التركيز على التطبيع فقط والسلام الاقتصادي الذي طرحه اليمين «الإسرائيلي» بزعامة نتنياهو وترك القضية الفلسطينية بلا حل. وقد وقع الرئيس الأمريكي في الفخ عندما تحدث عن السلام الاقتصادي، بينما الواقع أن الفلسطينيين قرروا مصيرهم بإعلان الدولة التي باتت عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وحظيت باعتراف دولي، ولا يمكن محو ذلك والعودة إلى المربع الأول، أي حق تقرير المصير الذي قد يفسر بحكم ذاتي أو استمرار الوضع على ما هو عليه، أو إلحاق أجزاء من الضفة بالأردن وهو ما يرفضه الأردن بقوة.
مبعوث الرئيس الأمريكي وهو غرينبلات سيعود إلى المنطقة مجدداً لاستكمال المشاورات لكنه كما يقول بعض «الإسرائيليين» سيصطدم بحكومة اليمين التي لا يوجد في قاموسها أي مكان لدولة فلسطينية أو السلام،لأنها تعتقد أن ترامب شق لها الطريق لقلب المبادرة العربية رأساً على عقب، وأنها تسعى الآن للتطبيع مع العرب دون مقابل أي دون انسحاب من الأراضي المحتلة منذ1967 ومن دون إنجاز أية شروط أخرى في المبادرة كإقامة دولة فلسطينية. فالحركات الرمزية التي قام بها ترامب لا تغني عن المواقف السياسية الواضحة أي زيارة حائط البراق وكنيسة القيامة في القدس دون مرافقة «إسرائيلية» باعتبارها أرضاً محتلة، لكن الرئيس الأمريكي في مؤتمره الصحفي شدد على العلاقة بين اليهود والقدس وكأنه يلغي رمزية جولته في القدس المحتلة.
والسؤال هو: هل يدفع الفلسطينيون ثمن جولة ترامب؟
عن الخليج الاماراتية