لم تمضِ فترة الشهر على مبادرة حركة حماس في إعلان وثيقتها من الدوحة في الأول من شهر أيار 2017، حتى جاءت الصفعة قوية مدوية من رئيس أكبر دولة في العالم، ليعلن يوم 21 من الشهر ذاته أن حركة حماس فصيل سياسي إرهابي ويضيفها إلى تصنيف داعش والقاعدة ومعهم حزب الله، وأين يتم ذلك ؟ في الرياض! وبحضور من ؟ خمسة وخمسين دولة إسلامية !!.
هل هذا جديد من قبل الولايات المتحدة لإطلاق التوصيف السياسي الملائم لخصومها؟؟
قد يكون ذلك طبيعياً ولكنه في الحالة الفلسطينية كان مستتراً لحد ما في تعامل واشنطن مع منظمة التحرير ومع حركة فتح وحتى مع حماس كان واقعاً ولكنه لم يكن حاسماً، إذ ثمة مراهنات متبادلة بين حماس من طرف والولايات المتحدة من طرف في أن يذهب أحدهما للتكيف مع الآخر ومحاولة الاقتراب منه، إثر تدخل أصدقاء الطرفين تركيا وقطر لما لهما من دالة قوية على الطرفين، أديا دوراً وظيفياً في تقديم النصيحة للأميركيين وللحمساويين في ضرورة التلاقي في منتصف الطريق، وبالضرورة فالطرف الذي يحتاج أكثر للتكيف والتحرك باتجاه الآخر هو حماس، فوقعت المبادرة من قبل حماس فقدمت وثيقتها السياسية التي كانت تأمل من خلالها أن تجد الترحيب أو على الأقل القبول الصامت من قبل الإدارة الأميركية، متوهمة أنها أقدمت على فعل كبير وقدمت تنازلاتٍ جوهرية توجب الترحيب إن لم يكن من الولايات المتحدة فعلى الأقل من قبل حلفائها وأصدقائها العرب والمسلمين، لا أن يسمع قادتهم من قبل الرئيس الأميركي ما قاله بحق حماس على أنها جزء من الإرهاب السياسي أسوة بداعش والقاعدة ويبقوا صامتين !!.
ترامب الذي يتصرف مثل بلدوزر فلتت كوابحه، أو ثور هائج يوجه ضربات انتقادية يميناً ويساراً حتى إلى أقرب حلفائه الأوروبيين، وهو لم يفعل ذلك نحو الخليجيين لأنهم قدموا له ما يبحث عنه من صفقات وأرباح ووظائف مدركين نفسيته التجارية كرجل أعمال لا يتوقف أمام المجاملات، ولا تُسكته سوى إغراءات المال والوظائف والمكاسب، وهم فعلوا ذلك ودفعوه فاستجاب لهم ليس فقط للصمت عليهم بل وتوجيه عبارات الثناء على أفعالهم وسياساتهم وخياراتهم الخليجية.
لقد تبنى ترامب سياسات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي كاملة غير منقوصة، فقد شطب حل الدولتين وتفاعل مع نتنياهو في إلقاء وثيقة حماس في سلة المهملات، ولم يكتف بعدم الالتفات إليها ولم يذكرها، بل تبنى وجهة نظر قوية وصادمة بوضع حماس في قائمة المنظمات الإرهابية ما سبب صدمة ليس فقط لحركة حماس بل للعاصمتين القطرية والتركية المعوّل عليهما تسويق حماس لدى واشنطن، بعد أن نجحتا في التأثير على قيادة حماس لأن تقدم ما قدمته عبر وثيقة الدوحة المعلنة.
طريق التنازلات ليس هو المفتاح للقبول لدى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وراعيته واشنطن، فقد أقدم الإسرائيليون على فعل التنازلات من قبل إسحق رابين بسبب الانتفاضة المدنية الشعبية الأولى العام 1987، ومن قبل شارون بسبب الانتفاضة شبه المسلحة الثانية العام 2000، ولم يتم ذلك بفعل تنازلات الفلسطينيين، بل أرغموا عدوهم المحتل على التراجع بفعل النضال، وثمة حصيلة يجب إدراكها وهي أن تكون أدوات النضال دائماً نظيفة من فعل الإرهاب والتطرف، في سبيل إحراج العدو وعزله، ومن أجل كسب المزيد من الأصدقاء لعدالة القضية التي يناضل الفلسطينيون من أجلها.
وهذا التوصيف لا يعني خطيئة حماس في تقديم «وثيقة المبادئ والسياسات العامة»، بل يعني أن العدو المتفوق بحاجة لضغوط حتى يتراجع عن صلفه وعدوانه وعنجهيته، وأول الضغوط المطلوبة هي وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة حركته السياسية ونظافة أدواته النضالية، عندها وعندها فقط يمكن هزيمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي المتفوق.