صاروخ "قطر" العابر للقارات

imgid282507.jpg
حجم الخط
 

ضمن استراتيجية الاستحواذ التى تعتمدها فى سياستها الخارجية، قررت قطر تدشين مقر للجنة القطرية لإعمار غزة، ويشمل بيتاً للسفير على أنقاض أحد المعالم الباقية من عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، لم تكترث لغضب الفلسطينيين وتجاهلت الاستياء الذى صاحب وضع حجر الأساس للمقر القطرى على أنقاض مهبط طائرة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات أو ما يعرف بـ«المنتدى» وما يشكله هذا المعلم من رمزية ومكانة لدى الفلسطينيين، ووضع حجر الأساس السفير محمد العمادى يرافقه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، الذى احتفى بهذه المناسبة واعتبرها اعترافاً بالجميل وتقديراً للموقف القطرى الأصيل وتأكيداً من قطر على أنها لن تتخلى عن الشعب الفلسطينى وغزة المحاصرة! وفى الوقت الذى لم تعلق فيه أى جهة رسمية على قرار قطر، فإن هذا التجاهل الرسمى دفع بالزخم الشعبى إلى الحراك والاحتجاح ومطالبة أمير قطر تميم بن حمد آل ثان بالتراجع الفورى عن القرار والبحث عن مكان آخر لإقامة مقر اللجنة وبيت السفير، فالمكان معلم تاريخى للفلسطينيين لا يجب العبث به أو محو هويته الوطنية.

ورغم أن السفير القطرى فى غزة يمثل لغزاً محيراً وعدم ارتياح من قبل الفصائل الفلسطينية، فإن قطر تمثل صمام الأمان بالنسبة لحركة حماس، وتلعب دوراً مشبوهاً فى القطاع يهدف إلى تعزيز انفصاله عن بقية الوطن، فمنذ الانقلاب الذى قامت به الحركة عام 2007 وقفت قطر بجانب حماس واحتضنت قياداتها ودعمت مواقفها السياسية وأمدتها بالمال والمعونات اللوجيستية التى تجعلها قادرة على الصمود والاستمرار، ورغم علاقتها المشبوهة بإسرائيل إلا أنها رعت مبادرات عدة لإنجاز المصالحة الفلسطينية بوساطتها، فكانت خير صديق لحماس منذ حكمها لقطاع غزة، ومؤخراً اعترف الأمير تميم بأن حركة حماس هى الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، متجاهلاً منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى الوحيد للفلسطينيين، الأمر الذى أشعل غضباً شعبياً كبيراً لتدخل قطر السافر فى الشأن الفلسطينى!.

قطر تشترى كل مظاهر النجاح فى العالم وتفرض نفسها كقوة كبرى بسطوة المال والاستثمار والنفوذ، لكنها أبداً لن تستطيع شراء التاريخ والحضارة، فالبرغم من أن إمارة قطر تعد إحدى أصغر الدول العربية مساحة وسكاناً، فإن حضورها الاقتصادى والدبلوماسى بات لافتاً للانتباه، هذه الإمارة الصغيرة بدأت فعلياً بشراء العالم وتستثمر أموال الغاز فى كل المجالات، من صناعات ثقيلة وتحويلية إلى دور الأزياء الشهيرة وفرق كرة القدم الكبرى، ولا يبدو أن شيئاً يستطيع أن يقف أمام نفوذها المالى والاستثمارى المتصاعد. قطر لديها طموحات قيادية خيالية وتمتلك شراهة فى الاستثمارات فى جميع أنحاء العالم، وتحاول فرض نفسها فى العالم العربى بشكل يذهل الجميع ويغضب البعض!! تسعى قطر سعياً حثيثاً لتمتلك دبلوماسية جبارة وقوة اقتصادية هائلة، من خلال امتلاكها لاحتياطى الغاز الطبيعى، بالإضافة إلى الصناعات المتعددة فى هذا المجال، تزاحم الدول الكبرى لتقتنص مكانة ليست لها، فلفتت أنظار العالم بعد فوزها بتنظيم كأس العالم فى 2020 وشرائها نادى باريس «سانجيرمان»، وهما الحدثان الأشهر فى فرنسا، فضلاً عن استثمارها مليار دولار فى مناجم الذهب فى اليونان، وتعتبر قطر أول مشترٍ فى سوق التحف فى العالم، فاشترت أطول ناطحة سحاب فى لندن وأوروبا، حتى إن أحد رجال الأعمال القطريين صرح لإحدى الصحف الفرنسية قائلاً: «إن قطر باتت تمتلك اليوم نصف إيطاليا ونصف إسبانيا وبصدد تحقيق خطوات مماثلة فى فرنسا»، مما دفع عدداً كبيراً من الكتاب الفرنسيين إلى القول إن قطر تشترى أوروبا قطعة قطعة!

لقد وصل حجم الاستثمارات القطرية حول العالم 60 مليار يورو، موجودة فى أكثر من 39 دولة حول العالم، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، أما فى الوطن العربى فتمتلك قطر مجمعات سكنية سياحية وتجارية فى مصر وتونس والمغرب وفلسطين وسوريا، واشترت مصرفاً لبنانياً عام 2007، وتمتلك فى الأردن صندوق استثمارات، وإذا كانت قطر تشترى أوروبا قطعة قطعة أملاً فى ريادة زائفة لن تصنع لها مجداً ولا حضارة، فما بالنا وهى تعتبر ثورات الربيع العربى آخر مرحلة من الصعود القطرى، فاقتنصت الفرصة واتخذت القيادة قرار الريادة القطرية فى مجالى الدبلوماسية والبيزنس، ساعدها فى ذلك رغبتها فى التطلع لدور مميز فى الخارطة العالمية، إلا أن هذا الصاروخ القطرى العابر للقارات ربما يمر بحوادث قد تضطره للعودة إلى الأرض مرة أخرى.

إن استثمارات قطر حول العالم ليست عبثية، لكنها استراتيجية مدروسة لضمان أمنها على المدى البعيد وتوسيع نفوذها، لذلك تكثف من استثماراتها حول العالم، فهى تأمل فى أن تمكنها المكانة البارزة التى صنعتها بقوة المال من تحقيق استقرارها مع التعداد السكانى الذى لا يتجاوز 300 ألف نسمة، فسعت إلى تقديم نفسها كعضو من أعضاء المجتمع الدولى يحظى بنمو اقتصادى وتقدم تكنولوجى، وكانت استضافتها لكأس العالم عام 2020 محوراً لهذه الاستراتيجية، ولهذا تعتبر من أكثر الدول نشاطاً فى مجال الاستثمار الداخلى والخارجى وفى توظيف العوائد المالية الضخمة التى حققتها لخدمة أهدافها، فكانت الحاضن والممول الرئيسى للتنظيمات الإرهابية وعلامة الاستفهام الكبرى لدول المنطقة!

عن الوطن المصرية