بدأت عمليات تسريب العقارات منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، تارة بالترهيب وتارة بالترغيب، وكثيراً ما كانت تتم بالتزوير والخداع... .
كانت القدس الأكثر استهدافاً في عملية التسريب هذه، وخاصة في البلدة القديمة.. بحيث انتشرت مع نهاية التسعينيات البؤر الاستيطانية في معظم الأحياء الفلسطينية، مستهدفة المناطق الإستراتيجية منها، وخاصة حول الحرم القدسي الشريف.
دعمت جمعيات استيطانية - يقف خلفها رأس المال الصهيوني العالمي.. والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دون استثناء سواء المحسوبة على «اليسار» (العمل) أو اليمين (الليكود) - الاستيطان والاستيلاء على العقارات الفلسطينية.. بل إن الحكومات الإسرائيلية كانت تعلم حجم التزوير، إلاّ أنها صمتت بل ودعمته في كثير من الأحيان.
لم يترك عملاء الاحتلال أسلوباً إلاّ واتبعوه لتسريب العقارات والأراضي، حتى أنهم شكلوا عصابات من أجل هذه المهمة.. وكم من امرأة طاعنة في السن تم تبصيمها على بيع عقار دون علمها بحجة أنهم يقدمون لها مساعدة ...، وكم مرة تم تزوير عمليات شراء من فلسطينيين في الخارج، وكم مرة تم شراء جزء من مائة جزء في عقار وتسليمه لعصابات الاستيطان الإجرامية.
لم يتوقف الأمر عند القدس، بل تعدّاه إلى كل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.. وتخصصت عصابات إجرامية متعاونة مع سلطات الاحتلال والمستوطنين في تسريب الأراضي لإقامة المستوطنات، على الرغم من أن الكثير منها أقيم في ظل الحكومات الأولى في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، وأقيمت على أراض كانت معسكرات أردنية قبل العام 1967؛ ما يؤكد أن الكل الإسرائيلي متورط في فعل الإجرام الاستيطاني المخالف للشرعية الدولية والقانون الدولي.
قبل فك الارتباط مع الأردن في أوائل تسعينيات القرن الماضي أصدرت الحكومة الأردنية قراراً بالحكم بالإعدام على كل من يثبت تورطه بتسريب أراض للعدو أو بيعها ـ أي الاحتلال الإسرائيلي ـ ما حدّ نوعاً ما من عمليات التزوير أو التسريب.
وفي الانتفاضة الأولى صدرت مجموعة من الفتاوى عن الهيئة الإسلامية العليا وعن أئمة المساجد تدعو إلى تحريم البيع بأشكاله كافة للعدو.
نطالب اليوم بفرض المقاطعة والحرمان على كل من تثبت إدانته بالتسريب، بحيث لا يُصلّى عليه عند موته ولا يدفن في مقابر المسلمين.. وهناك حالتان طبق فيهما هذا الأمر: الحالة الأولى، للذي سرّب عقاراً إستراتيجياً في مدخل شارع الواد للمجرم أرئيل شارون والذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في المنطقة.. والثاني، لشخص آخر تم إعدامه، ومن ثم دفن دون أن يُصلّى عليه في صحراء أريحا.
بعد دخول السلطة الوطنية، وتشكيل الأجهزة الأمنية كان من المفترض أن يتم وضع حدّ قاطع لأولئك الخونة والمجرمين.. ولكن يبدو أن الأمر ليس كما نتوقع.
مصدر مطلع يقول: في العام الماضي تم إحباط أكثر من 400 حالة تسريب وتزوير لأراض وعقارات في القدس المحتلة، وخاصة في منطقة سلوان وبالذات في وادي حلوة، أو ما تطلق عليه سلطات الاحتلال مدينة داود.. وأيضاً في مناطق بالضفة الغربية، وخاصة الأراضي المجاورة للمستوطنات، أو الكتل الاستيطانية في وسط الضفة وجنوبها.
المصدر المطلع يؤكد أن عمليات التزوير والتسريب يقوم بها عملاء للاحتلال، ولحظة انكشاف أمرهم يهربون إلى داخل الخط الأخضر.. بمعنى أن سلطات الاحتلال تقوم بحماية مجرمين هم بالأساس مجموعات من حثالة المجتمع.
ولولا يقظة الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تستحق الإشادة في هذا المجال لضاعت مساحات واسعة من الأراضي والعقارات.
الأمر المهم هو في هذا المجال هو تنظيم حملة توعية للجمهور الفلسطيني من خلال الندوات وورش العمل، حول أساليب العملاء الإجرامية، وكيفية استخدام الغش والخداع والتزوير لتسريب الممتلكات الفلسطينية للمستوطنين، كما أننا بحاجة إلى قوانين وإجراءات رادعة قاسية بل أكثر من قاسية من أجل استئصال كامل هذا السرطان من الجسم الفلسطيني.
عندما تحتاج الحرب إلى حربٍ أكبر منها!
23 سبتمبر 2024