يكتب د.ابراهيم الديب حول بناء وتمكين الهوية الوطنية الواحدة الجامعة قائلا أن مكونات المجتمع تستند إلى منظومة متكاملة من المبادئ والمرتكزات يأتي في مقدمتها: اللغة والتراث التاريخي والاعتراف الكامل بكل المكونات الطائفية، والوجود التاريخي، وأيضا إلى القيم الإنسانية العالمية المتعارف عليها عالميا إضافة إلى الفرعية التفصيلية لقيمة المواطنة (الاحترام، والعدل، والمساواة، والالتزام والانضباط، والمؤسسية) كقيمة عامة حاكمة لسلوك وأداء المجتمعات الحرة الحديثة.
المواطنة هي حالة قانونية ترادف الجنسية، وتعطي لأصحابها الحقوق حسب الدستور، وإلى ذلك هي ذات بُعد اجتماعي/سياسي يتمثل بدور وفعالية وقوة الأحزاب والنقابات والمؤسسات،وعبر خوضها غمار الانتخابات، أما ثالثا فللمواطنة بُعد الهوية الوطنية التي ما هي إلا نتيجة عضوية الشخص في الجماعة (أمة، مجتمع، منظمة ... )، ومن الجدير ذكره أن الهوية الوطنية تختلف عن الأصل (مسقط الرأس أومسقط رأس العائلة) لأنها تتضمن الأساس الفطري بناء اختياريا أيضا، إذن من الممكن القول أن المواطنة تُفهم بخمس حالات هي:
حالة قانونية كما ذكرنا
وتحمل بعداً سياسياً اجتماعياً
وتعطي معنى الهوية الوطنية
تبلور ذاتها كمواطنة من خلال المشاركة ممثلة بالاختيار الحر والمساواة والتكافؤ
ومن الممكن خامسا أن نقول بوضوح أن ركني المواطنة أو جناحيها اللذين تطير بهما هما جناح المساواة والكرامة الانسانية لكل أبناء الوطن، وثانيا بالحرية دون اقصاء أوتخوين أوتكفير فالكل شريك.
من تحديات الهوية: العولمة والتقانة والسياسة
الهوية الوطنية "وعاء مشتركات" و"شعور وتجانس" وهي إلى ذلك تعترف بتعدد الانتماءات، سواء الشخصية،أو الجماعية، فقد تكون جماعة عرقية أو دينية أو مصلحية متواجدة ضمن الوطن، ولكل منها عدة انتماءات.
وذات الحال في الشخص ضمن أي من الانتماءات الجماعية أو الهويات فإنه من الضرورة في مجتمع المعلواتصالية والتدفق الخبري والتقاني أن يفهم امكانية التعرض إما للتآكل والاندثار (أو التعديل) في الهوية والانتماءات.
قد تظهر ملامح الوطنية الحديثة باندماج العمق الطبيعي مع الناشئ، أي باندماج تلك المكونات من دم وعرق وأرض ودين وعادات، ومع الجديد المصلحي أو الإشباعي البراغماتي المصلحي الذي يحقق للشخص مكاسبه المادية الاقتصادية (أنظر ما يقول أمين المعلوف في كتابه الهويات القاتلة).
إن تحدي العولمة (ووسائل التواصل الاجتماعي في الشابكة) من حيث امكانية أن يحدث التآكل أوالاندثار أو بالحالة الحسنة التعديل يمكن النظر لها من 4 زوايا
أولا: تعزيز المشترك الخارجي مقابل الداخلي، أي غير الواعي مقابل الواعي.
ثانيا: انتاج هوية غير مقيدة بحيز جغرافي ، وهو ما تمثله الحيّزات الافتراضية المحاكية للواقع على الشابكة (الانترنت) لذا يمكن لهذه البيئات الافتراضية المحاكية للواقع أن تهدد الهوية الوطنية والرابط الجغرافي.
ثالثا: إن الفعالية التي يجدها الفرد على الشابكة من خلال البيئة الافتراضية، والمجموعات وخلافه ضمن وسائل التواصل الافتراضي تتيح له مساحة مشاركة أوسع ومتعددة ما يزيد من الارتباط باتجاه وتقلصه باتجاه آخر.
رابعا: إن العولمة تواجه القيم الوطنية بقيم ورمزيات جديدة مختلفة عن تلك الوطنية.
وعليه فإن التعامل مع تحدي العولمة والتقانة والمعلواتصالية يجب أن يكون واضحا كي لا تذوب المساحة المعبرة عن الوطنية ونشوء المساحات الجديدة التي قد تسلب الشخص أو فئة من المجتمع أوتيار في الدولة ارتباطهم بالهوية الوطنية الجامعة.
وفي تحدٍّ آخر هو الثقافي والسياسي خير من كتب في هذا الباب هو د.حسن حنفي وبعد أن يعرض أهمية العالم والمثقف وضرورة التناسق بينهما في مقاله يقول: (يصبح العلم ثقافة شعبية للعامة تتحول هذه الثقافة إلى ثقافة عقلية تجريبية، خالية قدر الإمكان من الخرافة والخزعبلات. فيتحول العلم إلى ثقافة شعبية، وتصبح الثقافة العامة ثقافة علمية. وعلى أساس هذه الثقافة الشعبية العلمية تقوم المؤسسات والنظم وتسن القوانين. فالعقل جزء من الحياة العامة وعليها يستند .)
ويضيف رابطا بين العلم والثقافة والوطنية أنه ( إذا تحول العالم المثقف إلى عالم مثقف وطني، فإنه يصبح نشطاً سياسياً. يحقق العلم ليس فقط في الثقافة وحدها بل في الثقافة والسياسة. فالوطن هو الغاية القصوى للعلم والثقافة. والسياسة هي المصب النهائي للعلم والثقافة والتي تسمى فكرانية (=أيديولوجيا). وهنا يصبح للعلم بُعدان: الثقافة والسياسة. كما يصبح للثقافة بعدان: العلم والسياسة. ويصبح للسياسة بعدان: العلم والثقافة تجنبا لعزلة العلماء. ولا يقبل مبرر واحد لعزلة العلماء ولا لعزلة الثقافة. فالعالِمُ عالمٌ في مجتمع. والثقافة ثقافة مجتمع. والسياسة سياسة اجتماعية. والمجتمع كله جزء من حركة التاريخ. ولا أحد يسبق الآخر. والعيب في المجتمعات النامية أن يظل العلماء على هامش المجتمع بدعوى البعد عن السياسة أو أن يظلوا مثقفين دون أن يتحولوا إلى سياسيين. والعيب في المجتمعات النامية أيضاً أن يتحول النشطاء السياسيون إلى علماء وهم لم يتكونوا بعد، وأن تظل الطبقة المثقفة المتوسطة بلا حَراك.)
الهوية والانتماءات :
إن الانتماء هو عبارة عن الانتساب أو الاشتراك في/ضمن جماعة، أي أن يكون الشخص واحداً ضمن الكل، سواء بارادته (انتماء طوعي للمؤسسات والجمعيات والتنظيمات ...الخ) أو بدون ارادته (انتماء جبري / قسري للعائلة والبلدة والقبيلة ...).
ومن حيث هو انتماء حسي مادي يعبر عنه بالانخراط في فعاليات ونشاطات المجموع، أو شعوري فيما يعبر عنه بالتعبئة وبالدعاية أو المديح أو الابراز أو الدفاع عن الجماعة هو انتماء متعدد قد ينمو ويطرد وقد يضعف ويتشتت.
قد تتصارع الانتماءات فتطغى إحداها على الأخرى مثل الانتماء المناطقي أو الطائفي أو الحزبي أوالانتماءات ما فوق الوطنية (العولمية أو الانسانية).
في ذلك يقول المفكر اللبناني الشيخ علي الأمينعن حالة لبنان كنموذج رافضا الانتماء الطائفي ومحذرا من خطورته: (البدائل التي تطرح اليوم علينا كلبنانيين، خارج خيار الانتماء إلى لبنان والدولة، هي خيارات لا أفق حياة أو استقرار لها، بل هي أجزاء من مشاريع كيانات مذهبية متضادّة، واستبدادية بالضرورة. ففي مقابل الانتماء الوطني اللبناني، يتقدّم اليوم خيار تجاوز الحدود. هذا ما تقدّمه لنا دولة الخلافة في العراق والشام وشبيهاتها لدى دعاة بناء الدولة الدينية في المنطقة العربية.)
مضيفا (إلى هذا النموذج ثمة تسلّل لدعوات الانزواء في أطر مذهبية وكيانات صافية، بذرائع الحماية والخوف، وهذا ما ليس قابلا للحياة أيضاً.)
يقول الكاتب والروائي أمين المعلوف: (أن الهوية لا تُعطى مرة واحدة وإلى الأبد إلى الفرد، بل تتشكل من عدة انتماءات تتبدل ويختلف تراتب عناصرها طوال حياته وتالياً (الهوية) قابلة للتغير والتَّبدّل حسب تأثير الآخرين بشكل أساسي على عناصرها. وأن الفرد يميل بطبعه فيما يخص تعريف هويته وتحديد انتمائه بأكثر عناصر هويته عرضة للخطر – خطر الإهانة أو السخرية أو التهميش أوالقمع… إلخ -.)
مضيفا (والذي يختزل الهوية إلى انتماء واحد، يضع الرجال في موقف متحيز ومذهبي ومتعصب ومتسلط، وأحياناً انتحاري، ويحولهم في أغلب الأحيان إلى قتلة أو إلى أنصار للقتلة.)
نحن نرى ضرورة استخدام واقع المشاركة التعددية في إطار التجانس والانصهار في تعدد الانتماءات الذي وجب أن يؤدي للغنى والثراء، وحتى لأن يكون الصراع في اطارها مجلبة للتنافس والفخر والانجاز.
الهوية بصراع الانتماء أو بروز هويات ما دون وطنية أو ما فوق وطنية قد تؤدي للاقتتال أوللاندثار أو لانسحاق الهوية، وأمامنا نموذج الانبهار بالآخر (كل افرنجي برنجي) ونموذج التلاشي الطوعي أو الانسحاق الجبري، ومنه ما حصل بعد الحملة الفرنسية على العالم العربي وبداية البعثات وعصر الترجمة، ومنها ما حصل تحت ضغط الاحتلالات الاستعمارية لبلادنا.
إن الانتماء حين الولادة لا يكون إلا للأم، فهي مدخل الطفل نحو العالم الخارجي من حيث أنها توفر له كل احتياجاته من مأكل ومشرب ودفء وحب واتصال. لكن الطفل بعد أن ينمو ويكبر ونتيجة تفاعله مع البيئة تتعدد احتياجاته وطرق اشباعها فتصبح انتماءاته متعددة وتتغير أولوياته.
الدولة حقل اختلاف وإجماع
في تأكيد أهمية ودور الدولة باحتواء الهويات او الانتماءات المتعددة يقول السيد علي الأمين أيضا في ذات المقال: (الدولة بمفهومها الديمقراطي الحديث تبقى هي النموذج الأمثل الذي وصلت إليه البشرية كمجال تُدار من خلاله الشعوب والمجتمعات، ولتنظيم الحياة السياسية بما هي حقل اختلاف. وتقام على أسس دستورية يجمع عليها المواطنون).
مبرّزات الهوية والأخطار بين الاستبداد واللغة :
من أبرز مبرزات الهوية 1- الخطر الخارجي أو الداخلي أو التهديد لحياة وطريقة عيش الشخص أوالجماعة، وما يرتبط بذلك من التعرض 2- للاضطهاد والظلم، كما أن 3-الاستبداد والنُظم الشمولية القمعية على شدّتها وسعيها لسحق الهويات فإنها بحقيقة الامر تؤدي لبروز الهويات، أو كمونها في حالة ترقب لأن تعود لتتبلور وتبرز ولنا أن ننظر الى حالة الجمهوريات تحت الحكم السوفيتي-الروسي الشمولي، وحالة كل الدول تحت الاحتلال او الاستعمار، وأبرزها حديثا حالتنا الفلسطينية على فرادتها التي سنتحدث عنها لاحقا. (الفهد يقتل حين يتعرض للاضطهاد).
الضغط والإكراه والاستبداد والظلم والسحق الذي قد تمارسه فئة أو جماعة أو سلطة ضد فئة أو جماعة اخرى قد تكون نتيجتها السحق والاندثار من جهة، ولكن ذلك من جهة أخرى حين يصبح الصمود والتحدي والإيمان سمة الجماعة أو الشعب فإن هذا الاستبداد ومحاولة الطمس والسحق والالغاء والخطر يؤدي لإبراز الهوية الجامعة.
في الدول الحديثة فإن الحل في سياق الهوية الوطنية والمواطنة يأتي من احترام الخصوصيات واحترام الاختلاف في عالم يجب أن نفهمه في اطار التنوع والغنى وليس في اطار الاختلاف والخصام.
فيما الاضطهاد أو الظلم أو الاستبداد قد يعطي أثرا عكسيا بمعنى أن يبرز الهوية سواء بشكلها الوطني أو مادونه أو ما فوقه، فإن اللغة تعد من أهم عوامل التماسك أكثر من غيرها من العوامل، وإن كان للقومية أو المذهب اطار تماسك، فإن اللغة تبزّها جميعا لامتلاكها القدرة على الجمع والصهر ضمن الثقافة أو الحضارة المرتبطة بهذه اللغة، ومن هنا كان للشيخ المصلح عبد الحميد بن باديس في الجزائر وهو الامازيغي وليس العربي أن أعلن في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر أن جميعة علماء المسلمين التي أنشأها تقوم على رباط الدين واللغة العربية ، بحيث أصبح كلاهما اداة مقاومة وتميز ، أداة كفاح دؤوب وجامع وطني.
من ظاهر العمر إلى أبو عمار
إن الحديث عن الهوية الوطنية الفلسطينية يعود بنا إلى أعماق التاريخ، فحين يكون الحديث عن فلسطين تذكر قبائل هذه البلاد التي ما كان لفلسطين الارض و الوطن إلا أن تعرف بها، والعكس بالعكس أي أن فلسطين تعرف بأبنائها الأوائل من القبائل العربية الكنعانية (الكُنانية) والفلستية (الفسطينية) العربية، وبقبائل اللخميين وغيرها من القبائل العربية.
حتى أن اساطير التوراة وملاحمها الشعرية الخيالية لم تستطع القفز عن (الفلستيين=عبيد الإله فلس) وأعاد عالم الآثار الاسرائيلي (اسرائيل فنكلستاين) رسم الصورة القديمة بالقول أن قبيلة بني اسرائيل هي جزء لا يتجزأ من الكنعانيين! وهو ما لا تخرج عنه العلوم الحديثة حين تؤكد أن قبيلة بني اسرائيل العربية اليمنية المنقرضة هي من العرب البائدة، مضيفين أن لا صلة تجمع من يسمون أنفسهم الاسرائيليين اليوم بهم، كما يجوز القول أن الديانة لا تورث بين شعوب الارض.
إن الهوية الجامعة لنا قديمة ، وإن كان مفهوم الوطنية مفهوماً حديثاً حيث ارتبط بعصر القوميات في أوروبا الذي تحدى سلطة الكنيسة ثم الملكية الفاسدة، فإننا في فلسطين من الممكن أن نبرز الكثير من الشخصيات التي تركت أثرها على الشخصية والكيانية والهوية الفلسطينية (الحديثة) ولكننا سنقصر حديثنا على ثلاثة كبار .
يعتبر الأمير ظاهر العمر الزيداني الذي أعطى فلسطين اليوم شكلها الجغرافي أول من رسم الحدود، أو قاربها، وإن توسع قليلا أو ضاقت معه الجغرافيا ، فهو الفلسطيني الذي استطاع ان يحكم مملكة أوجمهورية فلسطين لأكثر من 60 عاما في القرن18 في ظل مظالم الدولة العثمانية وسطوتها فجلب النماء والازدهار والتقدم للبلاد.
ويعد عز الدين القسام العربي السوري الفلسطيني من الشخصيات الهامة التي كان لها الدور في بلورة الوعي الفلسطيني القديم حين مزجه بتجربته السورية – الفرنسية، وأعطى النضال الفلسطيني إطاره المنظم والتعبوي على شكل لجان وأقسام واعداد وتأهيل ونفس استمرارية.
أما ياسر عرفات فهو يعد بلا شك من كان له – ولحركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح تحديداً وللثورة الفلسطينية عامة تلك التي انطلقت عام 1965 – الفضل الكبير في تمتين الكيانية (الكيانية عبر منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأها أحمد الشقيري رغما عن انف العرب) وإبراز الشخصية الوطنية، فيما لعبه المخيم واللجوء والنكبة من دور، وفيما لعبته الثورة من دور.
كما كان لياسر عرفات أن جعل من الرموز كيانات حية تشير كلما سار الى فلسطين من الكوفية التي لفت العالم إلى البدلة الكاكية الى خريطة فلسطين، الى كل الشعارات والنداءات التي كرست التميز للوطنية الفلسطينية في إطار العمق العربي الواحد، فأنتم (شعب الجبارين) وانتم (الشعب الذي يسبق قيادته) وانتم من يجب أن يردد كما كان يقول: (بالروح بالدم نفديك يا فلسطين بدلا من بالروح بالدم نفديك يا أبو عمار)، وأنتم من أمتكم قوافل (على القدس رايحين شهداء بالملايين) ومنكم (سيرفع شبل أو زهرة علم فلسطين فوق مآذن وكنائس وأسوار القدس).
صلاح خلف ودرويش والوطنية
يقول صلاح خلف (أبو إياد) في كتابه الهام (فلسطيني بلا هوية) في معرض حديثه عن تأصيل حركة فتح للهوية الوطنية الفلسطينية :
1-أنها قامت لمواجهة البُعد العائلي على الحركة الفلسطينية الأقدم (ومن هنا برزت في حركة فتح فكرة=الطليعية)
2-والتنظيم كان إن وجد فهو غير جماهيري (ومن هنا برزت فكرة=الجماهيرية)
3-الافتقار للاستعانة بالقوى التقدمية اليهودية (=التقدمية)
4-الإلحاق للفلسطيني بالأحزاب العربية القائمة، والأنظمة الفاسدة (=الاستقلالية)
5-لغرض الاستنهاض للكيان الجامع القائم وكان ممثلا بالمنظمة (=الوحدوية)
6-مضيفا أن سبب المعاناة والمهانة القهر والنكبة أننا شعب بلا وطن، وعلينا الوحدة، وكان الكفاح المسلح جامعنا بعيدا عن الحزبية.
في تجربة خليل الوزير الثورية الكثير مما يمكن قوله، ولنعرّج على ملمح الوطنية والوحدوية في عقله كما يسطرها د.محمد حمزة أذ يقول عن أبي جهاد: كان (حريصا على ألا ينحصر المفهوم في إطار التعبير عن طبقة اجتماعية واحدة أو اتجاه فكري معين أو تيار سياسي خاص لذلك كانت المهمة الأولى للتنظيم من وجهة نظره هي توحيد قوى الشعب الفلسطيني.) وكان لا يرى التنظيم فوق الجماهير بل هو ضمانة للقيادة ورأى أن على التنظيم أن (يستجيب دائما لمبادرات الجماهير ويتبناها ويطورها)
ومما سبق نستطيع أن نفهم فكر حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح الوطني المنفتح المتمثل بالمعطيات الستة التي أشار لها الراحل صلاح خلف، وما يمكن أن تتلمسه في كتابات أبوجهاد خليل الوزير، وخالد الحسن وكمال عدوان أيضا وغيرهم من قيادة الحركة، وهي الطليعية والجماهيرية والتقدمية والاستقلالية والتحرر والوحدوية في سياق الفهم الوطني، وتأثيرات النكبة الجارحة والعمق الثوري النابض.
يقول محمود درويش في قصيدة له:
سيّدتي الأرض!
والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
بين الرماح وبين دمي.
نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا
ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا
وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة
وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن
يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني وأن صهيلك
أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية
أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
وهذا ربيعي الطليعي
وهذا ربيعي النهائيّ
في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.
ويقول في قصيدة (أنا الأرض)
بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!
بلادي القريبة مني.. كسجني!
لماذا أغنّي
مكاناً، ووجهي مكانْ؟
لماذا أغنّي
لطفل ينامُ على الزعفران؟
وفي طرف النوم خنجر
وأُمي تناولني صدرها
وتموتُ أمامي
بنسمةِ عنبر؟
وفي شهر آذار تستيقظ الخيل
سيّدتي الأرض!
أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟
وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور
كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل
هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-
هذا نشيدي
أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي
وهذا نشيدي
وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.
في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.
سيّدتي الأرض!
والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
بين الرماح وبين دمي.
نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا
ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا
وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة
وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن
يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني وأن تسكنيني صهيلك
أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية
أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
وهذا ربيعي الطليعي
وهذا ربيعي النهائيّ
في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.