مع كثرة الأخبار في الفضاء الفلسطيني، أصبحنا لا نستطيع النظر إلى ما وراء الحدث و/أو ربط الصور المتناثرة هنا وهناك ببعضها البعض حتى نستطيع مشاهدة الصورة الأكبر والإطار الحاضن لها. ومن زاوية أخرى كيف يجب أن نتعامل مع ما حدث من خلال الإجابة على: لماذا هذا الحدث؟ كيف تم ؟ هل كان بالإمكان عدم حدوثه؟ والأهم هو ما وراء الحدث؟!
لا أعرف إذا ما كانت مجرد مصادفة وقوع حدثين منفصلين خلال الأيام الماضية، الأول غرب مدينة غزة والثاني في بلدة برقة بمحافظة نابلس. وتم التعامل معهما كخبر والمرور عليهما مرور الكرام دون استخلاص العبر والإجابة على الأسئلة التي ذكرتها في الفقرة الأولى من قبل جهات الاختصاص والمؤسسات ذات الصلة، بل على العكس هناك من اكتفى فقط بإصدار بيان!
الحدث الأول: أعلن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة ليلة الثلاثاء 30 أيار 2017، وقف دعمه لمركز نسوي فلسطيني في بلدة برقة في محافظة نابلس استجابة لطلب من الاحتلال؛ وذلك بحجة إطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي على المركز، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النرويج سبق وأعلنت رفضها إطلاق اسم دلال المغربي على المركز. وطالبت السلطة الفلسطينية بإزالة شعار وزارة الخارجية النرويجية عن المبنى الذي ساهمت في بنائه، واستعادة الأموال التي دفعتها في بنائه. وجاء هذا الموقف على لسان وزير خارجية النرويج بورج براند.
الحدث الثاني: وضع السفير القطري محمد العمادي برفقة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، قبل أيام، حجر الأساس لبناء مقر اللجنة القطرية وبيت السفير في أرض مهبط طائرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات.
وجه الشبه والاختلاف بين الحدثين؛ هو من يدفع المال يريد تغيير المفاهيم والهوية الوطنية بما يتلاءم مع أجنداته، لكن المعيب أن يتم الانسياق وراء ذلك لأسباب مادية فهو التخاذل بحد ذاته، لسبب بسيط وهو أن هناك فرقاً كبيراً بين تدمير التاريخ واستبداله برواية تم نسجها حديثاً من جهة، وإعادة إحياء تاريخ الشهداء في ذاكرة الأجيال الجديدة من خلال بناء العمل الوطني على قواعد سليمة للأجيال من جهة أخرى.
وما بين المهبط ودلال تكمن العديد من دلالات الهبوط التي يجب أن تقرأ بشكل عميق، أهمها أن إسرائيل من خلال مؤسساتها المختلفة تتابع عملية محو الذاكرة الفلسطينية بأدوات دبلوماسية في المقابل لا يوجد أي عمل من الطرف الفلسطيني في مواجهة ذلك أو/ و النضال المعاكس لما تقوم به ماكنة الاحتلال من نسج الروايات المختلفة التي تعزز صورتها كدولة لها تاريخها وحضارتها والأمثلة على ذلك كثيرة.
أما حركة «حماس» فعليها أن تستيقظ من حالة الهبوط وألا تخسر شعبيتها التي بدأت بالتراجع بعد أن أظهرت جوعها وعطشها للسلطة غير مكترثة بالهوية الوطنية بقدر ما تهتم بذاتها الإسلاموية حتى تضمن أنها تتنفس وعلى قيد الحياة. على «حماس» أن تدرك بأن المساس بإرث ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين وكل القيادات هو ليس المساس بحركة «فتح» أو «حماس» والفصائل الأخرى فقط! وإنما المساس بتاريخ شعب ورموزه.
أخشى ما أخشاه بأن دلالات الهبوط أصبحت تتزايد غير مكترثين بالنتائج بعيدة المدى، والمحزن أننا نتعامل معها فقط كأخبار سريعة، وردود أفعالنا لا تتجاوز بيان صحافي بصيغة عامة، للأسف ليس فقط الاحتلال من يهدف لمحو الذاكرة الفلسطينية بل أصبح البعض الفلسطيني يستمتع بذلك مفتخراً!