من يمتلك الحد الأدنى من التجربة، أو المعرفة السياسية، كان سيعرف أن قطر لا تملك القدرة على الاستمرار في لعب دور اقليمي أكبر بكثير من طاقتها ومن حاجتها.
قطر ليست دولة ثورية، ولا تؤمن بالثورات اصلاً، وهي لم تعلن يوماً انها تتكفل بدعم نضال الشعب الفلسطيني حتى تحرير أرضه كلها أو بعضها، وكل ما تستطيع تقديمه، هو دعم الموقف الذي يتمسك به الفلسطينيون، وتقديم الدعم المالي سواء تحت عنوان المساهمة في اعادة اعمار غزة، او لدعم صمود الشعب الفلسطيني.
والحقيقة هي ان قطر قدمت الكثير للشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، وساهمت في مداواة بعض الجراح، وحاولت معالجة بعض الازمات فضلا عن انها حاولت أن تلعب دورا نشطاً، ولكن ليس حتى النهاية في ملف الاصلاح، والمصالحة.
ثمة دوافع بالتأكيد، فوق انسانية وفوق تاريخية او قومية، وهي دوافع من النوع الذي يخلق ويعزز علاقات تكتيكية، بينها وبين حركة حماس التي تفترق عن قطر في الرؤية السياسية ازاء ملف الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي.
هذا التقاطع بلغ خط النهاية، بعد قمم الرياض التي انتجت تفاهمات تضع ايران، وخطر الارهاب في مقدمة الاولويات، وتلزم الاطراف التي وقعت عليها بأن تباشر العمل في مواجهة هذه الاولويات.
يبدو أن تلك التفاهمات تشمل حركة حماس، التي وصفها الرئيس الاميركي ترامب بالارهابية، فهل كان ذلك موقفا اميركيا معزولاً، ام انه جزء من التفاهمات، التي يخجل العرب في الافصاح عنها.
لبضعة أيام حاولت قطر التمرد على الاتجاه العام الذي اسست له قمم الرياض، لكنها لم تستطع وهي غير قادرة على تحمل تبعات ذلك فضلا عن انها تفتقر الى الخيارات بعد ما بدا وكأنه رفع اليد الاميركية عن حماية قطر. لم يكن منطقيا أن تختار قطر رفع مستويات التوتر، بينها وبين شقيقاتها الخليجيات، ومصر، مع قدر من الاستهتار ازاء ردود الفعل المحتملة من الولايات المتحدة، التي تعتقد قطر أنها محكومة لحاجتها الماسة لقواعدها العسكرية ما يمنعها من اتخاذ خطوات عقابية.
وكأنها فتحت على نفسها النار من كل اتجاه، الامر الذي يشير الى انها دخلت معركة خاسرة، ابتداءً، استجابت القيادة القطرية للضغوط الاولية، التي مورست عليها، قيادة حماس والعلاقة مع حماس، هي العنوان الاول، والابرز، الذي رسبت فيه قطر، حين وجدت نفسها امام الامتحان.
تستجيب قطر، فتقدم لحركة حماس قائمة بأسماء قيادات وكوادر عليها مغادرة الدوحة.
ويقال إن اجراءات اخرى تطال شخصيات قيادية وكادرية اخوانية، سيتم اتخاذها خلال وقت قصير.
والارجح ان لا يقتصر الاجراء العملي القطري على مطالبة قيادات حمساوية مغادرة الدوحة، بل ربما يمتد ذلك ليشمل ايضا النشاط الانمائي والاعماري بما في ذلك، التراجع عن بناء منزل السفير القطري في غزة، على قطعة الارض التي اثارت استفزاز الناس لارتباطها بتراث الراحل الكبير ياسر عرفات.
إلى هنا انتهى الدور القطري، دون ان ينجح في اقناع قيادة حماس، بالتحول نحو التعاطي مع المفاوضات والعملية السياسية، لكن حماس بعد كل ذلك تجد نفسها امام خيارات صعبة، الامر الذي دفع قيادة الحركة بعد الاجراء القطري، لارسال وفد امني عالي المستوى الى القاهرة.
الاجراء القطري عمليا، شكل نهاية خط البحث عن المصالحة بالمواصفات القديمة التي لم تنجح، ولم يكن احد يريدها ان تنجح في انهاء حالة الانقسام، المصالحة اليوم، تتخذ طابع الارغام، وثنائية الخيار، فإما ان تنصاع، نعم ان تنصاع حماس، لشروط السلطة والرئيس محمود عباس والتي تعكس بدورها، روح السياسة الجارية في المنطقة، او ان عليها ان تتحمل سوء النتائج. المصالحة اليوم كسر عظم، لا تنطوي على الحد الادنى من آداب الحوار، او المساومة، فالتنازلات المطلوبة ضخمة، والثمن كبير، وان حصل ذلك، فإنها تحتاج الى ضمانات قوية واكيدة، تضمن ان يكون هناك طريق ثالث بين الحكم او القبور.
اذا اختارت حماس ما اشار اليه عضو المكتب السياسي الدكتور البردويل ونقصد الصمود لسنوات اخرى، فإن عليها ان تدرك بأن الاخرين لن ينتظروا عليها سنوات، وان التطورات المستعجلة في المنطقة لا تمهلها المزيد من الوقت. ولكن ينبغي لمن سيختار الصمود لسنوات اخرى ان يدرك بأن سكان قطاع غزة لا يرغبون في ذلك، وقد اعيتهم الهموم والازمات، حتى لم يعودوا مقتنعين بالصمود.
ومن سيختار الصمود لسنوات اخرى عليه ان يقنع الناس الذين يحثهم على الصمود بالثمن الذي سيحصلون عليه، او النتيجة التي سينتهي اليها هذا الصمود.
لقد اخطأت حماس الحسابات كل الوقت، وقراراتها ومواقفها ومعالجاتها جاءت متأخرة دوما عن الوقت المناسب، اخطأت حين بادرت الى الانقلاب واخطأت في نظرتها وطريقة تعاملها مع الشرعية، واخطأت في حسابات علاقاتها الخارجية واخطأت في كيفية التعامل مع المجتمع، واخطأت حين اخضعت اتفاقيات المصالحة لحسابات موازين قوى ومراهنات متبدلة، اليوم على حماس ان تدفع الثمن مضاعفا، اذا اختارت الانحناء امام العاصفة واعادة النظر في حساباتها، بما يضمن الانخراط في منظومة القرار الفلسطيني ومؤسساته، وقد يكون في ذلك مكسب، فالمزيد من الوقت يعني المزيد من الخسارة.