استمرار كارثة غزة: إسرائيل تطلق النار على نفسها!

1_2014928_35778.jpg
حجم الخط

عندما تقترب في ساعات معينة من معبر "ايريز"، تكون عرضة لموجات من الروائح الكريهة الصادرة عن القطاع. فالمجاري تغرق غزة، وتضخ الى البحر كميات هائلة. هذا القرف يرمز أكثر من أي شيء آخر الى الموقف الاسرائيلي من غزة: لا توجد سياسة، لا توجد تفاهمات، لا توجد مخططات للمستقبل، باستثناء مخططات الحرب. الامر الاساس الوحيد الذي تفعله اسرائيل تجاه غزة هو أن تطلق النار على ساقها المرة تلو الأخرى.
رائحة المجاري هي ايضا رائحة الموت. فوفقا لتقارير الامم المتحدة التي اقتبست في تقرير مراقب الدولة في ايار في هذا العام، فان السبب الاول لوفيات الاطفال في غزة هو جودة المياه المتردية. 26 في المئة من الامراض في القطاع، ولا سيما أمراض الاطفال، تنبع من المياه العادمة الملوثة التي تتسلل الى خزانات المياه، الشواطئ، والجداول – وليس فقط في القطاع بل في شواطئ اسرائيل المجاورة أيضا.
كل شيء يبدأ بالكهرباء: خمس محطات تنقية للمياه العادمة في غزة، والتي هي مستهلكات كهرباء ثقيلة جدا، لا تؤدي مهامها. فلا توجد كهرباء كافية. في رام الله يدعون: ليس لدينا المال، ولتدفع "حماس" نصيبها من الكهرباء؛ فهي تجبي 100 مليون شيكل من الضرائب، بما في ذلك ضرائب الوقود الذي يصل الى القطاع. اسرائيل تقول: أينبغي لي أن أتدخل في علاقات "حماس" والسلطة؟ لا يوجد مال، لا يوجد كهرباء.
كل شهر تنقل اسرائيل الى السلطة أموال الضرائب التي جبتها على نشاطاتها الاقتصادية في موانئ ومناطق اسرائيل. من هذه الاموال يقتطع نحو 550 مليون شيكل كلفة الكهرباء التي توردها شركة الكهرباء الى القطاع كل شهر. قبل نحو شهرين أعلنت السلطة انه بسبب وضعها الاقتصادي، فإنها قررت أن تقتطع 40 مليون شيكل من كلفة الكهرباء للقطاع. اسرائيل غير مستعدة لتمول هذا من جيبها، وفي وزارة الدفاع تقرر تقليص توريد الكهرباء الى القطاع بما يتناسب مع ذلك بنحو 15 في المئة.
وعلى اي حال فانهم في قطاع غزة لا يتمتعون الآن الا باربع ساعات كهرباء متواصلة في اليوم، وبعدها ساعات طويلة، غير ثابتة، من انقطاعات الكهرباء.
محطات التنقية لا تؤدي مهامها. محطة تنقية المياه العادمة الكبرى والاكثر حداثة التي أقامها البنك الدولي في شمال القطاع في 2013 لم تشغل حتى الآن لعدم وجود الكهرباء، ووزير الدفاع ليبرمان يقول لـ"حماس": كفوا عن حفر الانفاق وستحصلون على كل شيء – كهرباء، ميناء وما شابه. يبدو منطقيا. ولكن بالضبط هكذا تغسل حكومات اسرائيل عقلنا على مدى السنين بمتناقضات تستهدف الابقاء على الوضع الراهن وخدمة المصالح السياسية الحزبية.
تقرير المراقب الاخير، الذي يعنى بالموبئات البيئية التي تتجاوز الحدود، كشف النقاب عن انه في كانون الثاني 2016 لحق ضرر بمحطة توليد الطاقة روتنبروغ في عسقلان بسبب تلوث المياه بالنفايات العضوية. وأسوأ من ذلك: المنشأة في شاطئ عسقلان، التي توفر 20 في المئة من المياه المحلاة لدولة اسرائيل، تعطلت لاكثر من يوم بسبب تلوث عضوي متطرف في مياه البحر. ويدور الحديث عن ضرر بعشرات ملايين الشواكل.
نظام التيار في البحر المتوسط هو من الجنوب – غربا، الى الشمال – شرقا. حيث لا شك في أن تلوث مياه البحر في القطاع سيصل الى شواطئ اسرائيل. لعل وفيات الاطفال في غزة لا تشغل هنا بال أحد، ولكن اضراراً جسيمة لاسرائيل – بما في ذلك امكانية النقص في المياه المعالجة – هي شأن الدولة. إذا لم تعالج اسرائيل ذلك، فإنها تطلق النار على ساقها.
ثمة في اسرائيل من يؤمنون بان النقص في الميزانيات وفي البنى التحتية سيشجع المواطن في غزة على الثورة ضد "حماس"، ولكن الى أن يحصل هذا، فاننا نلحق بانفسنا اضرارا لا مرد لها. فقد كتب المراقب يقول: "النفايات غير المعالجة تتسبب بتلوث مياه البحر، الجداول، والمياه الجوفية، في مناطق اسرائيل المحاذية لقطاع غزة. وكذا ايضا المخاطر الامنية والصحية لاسرائيل في حالة انتشار الامراض عقب تلوث المياه في القطاع". من المشكوك فيه أن يكون أحد ما في وزارة الدفاع قرأ هذه الفقرة.
اذا لم يكن كهرباء في تموز – آب فضد من سيتفجر السكان في القطاع: ضد "حماس"، السلطة، أم اسرائيل؟ الجواب واضح. وكم عشرات الملايين ستدفع اسرائيل كي تواجه آثار تلوث مياه البحر، الذي سيتعاظم فقط؟ هذا هو اختبار وزير الدفاع: إما الشعارات أو "الواقعية السياسية"؟ 

عن "يديعوت"