الاعتراف بفلسطين شرط لحرية إسرائيل

20170606103153.jpg
حجم الخط

في نهاية يوبيل ذهبي على سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني، يمكن أن نلاحظ وجهين شبه مركزيين بين مقاومي الاحتلال الاسرائيليين في عصرنا والحركة الصهيونية في بداية طريقها. فأحد الأهداف المركزية الأولية للصهيونية كان التحرير الذاتي للشعب اليهودي من الاستعباد الثقافي والروحي لأمم العالم. هكذا فإن الغاية العميقة للمقاومة الاسرائيلية للاحتلال تنغرس هي أيضا في موضوع التحرير الذاتي: تحرير إسرائيل من الاستعباد الوطني الذي تستعبد فيه الفلسطينيين.
مع أنه لا يوجد أي توازٍ أخلاقي بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، ولكن في شيء واحد يمكن استخلاص حكم متساوٍ بينهما: مثل الشعب الواقع تحت الاحتلال، فإن شعب الاحتلال أيضا لا يكون حرا في تقرير مصيره ومستقبله. مثل الفلسطينيين الخاضعين للحكم المباشر وغير المباشر للسيد الإسرائيلي (ومثل الأقلية اليهودية في كل الأماكن في المنفى عشية ظهور الصهيونية) فإن السيد الإسرائيلي أيضا بعيد، في حقيقة الأمر، عن أن يكون سيد نفسه بكل معنى الكلمة.
كما يجدر بالقامعين، فإن الاسرائيليين يعيشون في خوف دائم من ثورة المضطهدين وثأرهم. فغياب حدود سياسية آمنة يعظم الإحساس الذي يشبه إحساس المنفى للوجود الإسرائيلي – إحساس يعكس النقيض التام للرؤيا الصهيونية. الوضع السياسي القومي المشوه هذا، وضع المنفى في ظل السيادة، والذي يتعارض مع التطلع الأساس للحركة الصهيونية في الوضع الطبيعي القومي، يمكن أن يلغى فقط مع إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش الى جانب إسرائيل. من هنا ينبع وجه الشبه بين الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي الآن وكفاح الصهيونية لتحقيق تقرير المصير للشعب اليهودي في الماضي.
إن وجه الشبه بين الصهيونية في بدايتها وبين منظمات الكفاح الإسرائيلي ضد الاحتلال والاستيطان واضح ليس فقط في الأهداف بل أيضا في البحث في الوسائل لتحقيقها. ففي الحركة الصهيونية دارت جدالات يقظة بين الصهيونية السياسية والصهيونية العملية والثقافية، تذكر بالمعضلة التي تقف أمامها الآن منظمات السلام الاسرائيلية: هل نركز أساس الجهد على الساحة الداخلية – سواء انطلاقا من الرغبة في تقديم مساهمة فاعلة وملموسة لـ "العمل الميداني" أم انطلاقا من الأمل لإقناع قسم مهم من الشعب للانضمام الى الكفاح من أجل تحرره الذاتي – أم من الأفضل تركيز اهتمامنا قبل كل شيء على المساعدة الدولية للكفاح؟
ليس لمعضلة من هذا النوع اليوم أجوبة بسيطة وقاطعة. فمن جهة رغم انه محق من يدعي بأن السيطرة على شعب آخر بخلاف إرادته لا يمكن أن تعتبر "موضوعا داخليا" للديمقراطية الاسرائيلية، من الواضح أن العائق الأساس الذي يمنع إنهاء هذه السيطرة – مشروع استيطاني مزدهر – هو ظاهرة داخلية – قومية يهودية – إسرائيلية. من ناحية الوعي، هذه الظاهرة لا يمكن اقتلاعها من الجذور من خلال عقوبات دولية، بل فقط من خلال كفاح مدني أيديولوجي شجاع داخل المجتمع الإسرائيلي، يعرض فيه مشروع الاستيطان بعريه، كخلل داخلي شديد في سياق تطور السيادة الاسرائيلية. من الواضح مع ذلك انه دون ضغط دولي مصمم وناجع، لن تسحب إسرائيل الكتل الاستيطانية. وهكذا، إذاً، ستقمع نهائيا التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني، ومعها يقضى على حلم التطبيع السياسي الصهيوني.
في بداية اليوبيل الذهبي للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان يخيل أن معارض الاحتلال الإسرائيلي يعيشون في شرك لا مخرج له. فمن جهة من المفهوم أنه من أجل إنقاذ إسرائيل من المستنقع المغرق للاستعمار العسكري المسيحاني مطلوب تدخل دولي حازم. لكن من الجهة الأخرى يجب الاعتراف بانه في دعوة الأسرة الدولية لفرض مقاطعة وعقوبات على إسرائيل سيكون تناقض داخلي منطقي، من الصعب الهرب منه: على فرض أن معارضي الاحتلال يؤيدون تقسيم البلاد بين الشعبين من اجل التأكيد المتجدد للشرعية الدولية لإسرائيل كدولة قومية طبيعية، فهل سيكون من المنطقي والناجع السعي لذلك من خلال خطاب الرفض الذاتي؟
إن السبيل الوحيد الذي يتمكن فيه مؤيدو الكفاح ضد الاحتلال من تجاوز هذا الفخ هو أن يتبنوا بدلاً من خطاب النفي الذاتي خطابا إيجابيا "آخر". على منظمات السلام الاسرائيلية أن تشكل داخلها مجلسا تمثيليا يطلب من الأسرة الدولية أن تعترف فورا بوجود دولة فلسطين بحدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية. إذا كان في يوم من الأيام، بضغط عنيد من جانب معارضي الاحتلال الاسرائيليين، ستوافق القوى العظمى ومؤسسات الأمم المتحدة على قبول دولة فلسطين كشريك كامل في أسرة الشعوب، فستقف إسرائيل عندها أمام خيار حاد كالسيف: إما أن تبدأ بالإخلاء التدريجي والمتفق عليه لمواطنيها من أراضي الدولة الفلسطينية الجديدة أو أن تخاطر بعقوبات دولية واسعة، مثلما تفرض على دولة تنتهك سيادة جيرانها.
مهما يكن من أمر، سيشق الطريق لتصفية مشروع نزع الشرعية الذاتية لإسرائيل في "المناطق" المحتلة، ومن هنا سيقصر الطريق لاستكمال مشروع التطبيع الذاتي الصهيوني في شكل إعادة تأكيد وجود إسرائيل كدولة قومية ذات حدود سياسية والأخلاقية مستقرة ومعترف بها.

عن "هآرتس"