لعبت الصهيونية الدينية دور "المكنسة" في المشروع الصهيوني: شريك نشط ومجتهد، ولكنه لاعب فرعي لا يعتد به. في الصراعات التي سبقت اقامة الدولة، تجاه العالم وداخل الحاضرة اليهودية، لعب المتدينون دور الدولاب الخامس. اما بعد قيام الدولة فكانوا عبئا زائدا: وزيري الرفاه والبريد في حكومات تلك الفترة. وقبل خمسين سنة أصابت الصهيونية الدينية العصا السحرية للساحرة الطيبة، التي غيرت المكنسة لتصبح أميرة. وهذه، بالطبع، هي حرب "الأيام الستة" التي لونت الصهيونية الدينية بضوء جديد: ضوء مثير، ولاعب محوري في الهيمنة الإسرائيلية المتشكلة.
مع ان المتدينين لا يشكلون الا نحو 10 في المئة من السكان، فان وجودهم في مراكز القوة بارز: قادة للكتائب المقاتلة الاعتبارية، يشكلون نحو ثلث تشكيلة المحكمة العليا، يتبوؤون مراكز اساسية في وسائل الاعلام، يلعبون دور النجم في الخدمة العامة – مستشار قانوني للحكومة، قائد الشرطة ورئيس "الموساد"، وكذا مدير عام ديوان رئيس الوزراء والسفير في الولايات المتحدة. كلهم متدينون – قوميون. الصورة واضحة: الارنبة اصبحت بطلة.
أحدثت رحلة القوة تغييرا دراماتيكيا في ايديولوجيا المجموعة. حتى "الايام الستة" اتخذت الصهيونية الدينية مواقف معتدلة في مواضيع السياسة الخارجية والأمنية. من الصعب التصديق، ولكن زعيم المفدال (حزب المتدينين القوميين) عارض في 1967 الخروج الى الحرب. خلفاؤه، كما هو معروف، يعارضون التنازل عن اي منطقة، حتى في إطار اتفاقات سلام. عندما ينظر اليمين العلماني من نتنياهو وحتى ليبرمان، يمينا، فانه يرى متدينين قوميين.
هذان التغييران، بالتأثير العام وبالايديولوجيا السياسية، هما نتيجة الحرب. بالنسبة للمتدينين فان المشروع الصهيوني واقامة الدولة ليسا فقط مشروعا قوميا بل أيضا خطوة دينية، من فعل الرب. فكتاب التصنيف الديني للدولة كـ"بداية نشوء خلاصنا" تلقى "دليلاً" في حزيران 1967. واعتبر النصر الحاسم مرحلة في تطور ديني – سحري.
"احتلال/ تحرير" "السامرة" و"يهودا"، ساحة عمل الاباء في الكتاب المقدس، والعودة الى "جبل البيت" (الحرم)، مركز الوعي الديني، لونا الحرب بوميض توراتي ووضعاها على المستوى فوق التاريخي. في نهاية المنفى يحقق الرب العهد الذي قطعه لنا، ومن خلال الجيش الاسرائيلي كُتب فصل التتمة للتوراة. ان البعد الخلاصي في اليهودية، اندفع الى المجال العام وشحن الصهيونية الدينية بطاقة دينية هائلة ترجمت الى خطة عملية: الاستيطان في "المناطق". لقد شجعت الرؤيا الخلاصية الباعثة على الحماسة وخطة العمل المحددة المتدينين على ان يعملوا كنخبة خادمة، عانقتها حكومة اسرائيل والكثيرون من الجمهور الغفير بحرارة. والمسيرة تنضج في هذه اللحظة، عندما ينخرط المتدينون القوميون في مواقع القيادة ويتثبتون كهيمنة جديدة.
ولكن في العقد الاخير برز تغيير مهم في الرواية الدينية – القومية. فالريح التي هبت في أشرعة الخلاص تخف في ضوء احداث في الواقع – فك الارتباط عن قطاع غزة بقيادة شارون وتجميد البناء في المستوطنات من جانب نتنياهو – ما يثبت اننا نعيش داخل التاريخ وليس خارجه؛ وان الواقع ليس خطا مستقيما متواصلا في نهايته، بالضرورة، مملكة اسرائيلية في كل أرجاء البلاد الموعودة.
وأهم من ذلك: الاغلبية الاسرائيلية – بما في ذلك اليمين الرقيق – مستعدة للتنازل عن قسم كبير من المناطق اذا ما قامت ذات مرة قيادة فلسطينية مصداقة توقع على تسوية سلمية قابلة للعيش. الاسرائيليون متمسكون بـ"المناطق" فقط إذا كانت تخدم أمن الدولة، ولكن ليس لاسباب دينية. يتبين أن الرسالة الخلاصية التي حركت مشروع الاستيطان في "المناطق" لا يمكنها ان تضمن وجوده في المستقبل. وبموجب ذلك، فان اغلبية الجمهور الديني – القومي يدير الظهر للحاخامين المتأصلين من حملة الرسالة الخلاصية ويضع على رأسه شخصيات مثل الوزيرين بينيت وشكيد، اللذين يتمسكان بمواقف اليمين النشط، ولكن انطلاقا من رواية أمنية وقومية "عادية".
هل ضياع الطاقة الدينية – الخلاصية، التي غذت السباق الديني – القومي نحو القيادة، هو صوت يأتي من بعيد، يبدد السحر ويعيد الأميرة لواقع ساندريلا المتواضع، الأخت غير الشقيقة، ام ربما العكس: يزيل عبئا عن الرقبة ويؤهلها في الرأي العام كمناسبة للانتقال الى المرحلة العليا من القيادة في إسرائيل؟ الأيام ستقول.
عن "يديعوت"