عن المواقف الأمريكية في اجتماع عباس وترامب

thumbgen (11).jpg
حجم الخط

 

لم تنتظر حكومة نتنياهو طويلاً بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب، وعقدت جلستها الأسبوعية لأول مرة في نفق تحت المسجد الأقصى قرب حائط البراق في إطار احتفالها بما تسميه«توحيد القدس» أي احتلالها سنة 1967. وكان نتنياهو انزعج من عدم مرافقة الرئيس الأمريكي إلى حائط البراق والبلدة القديمة، فواجه ترامب في المطار بالقول «إن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل»، وأعلنت حكومة نتنياهو عن مشاريع جديدة لتهويد المدينة تتضمن بنى تحتية وإقامة قطار هوائي يصل إلى حائط البراق لنقل الزوار، في خطوة استباقية لعرقلة أية محاولات لاستئناف المفاوضات أو أية أفكار يطرحها الرئيس الأمريكي في هذا الصيف بهذا الخصوص. وكانت وزيرة الثقافة اليمينية المتطرفة ميري ريجيف التي ظهرت في مهرجان كان السينمائي بثوب عليه صور معالم القدس الإسلامية، أكدت تطرفها بنفي وجود شعب فلسطيني من على منصة الكنيست، وزعمت أنه «لا يوجد شعب بهذا الاسم والحديث عن آلام النكبة أكذوبة»، وهي بذلك تسير على خطى غولدا مائير التي ادعت يوماً عدم وجود شعب فلسطيني. وقد حاول «الإسرائيليون» عن طريق تسريبات لمسؤول أمريكي من بطانة ترامب، تصوير لقائه مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن، في بيت لحم على أنه كان«متوتراً» وأن الرئيس الأمريكي صرخ في وجهه «لقد خدعتني في واشنطن وقلت إنك رجل يسعى للسلام، وأثبت لي «الإسرائيليون» أنك تحرض ضدهم». ويقول أبو مازن عن تلك الواقعة إن ترامب أشار إلى مقطع مجزوء له يقول فيه «نعم نحن نحرض» لكن العبارة بترت حيث أكمل قائلاً «وهم يحرضون فلماذا لا تجتمع اللجنة الثلاثية الأمريكية - «الإسرائيلية» - الفلسطينية، التي شكلت في عهد الراحل أبو عمار لمراقبة التحريض! كلام أبو مازن كان واضحاً منه أن «إسرائيل» تحاول خلق الوقيعة بينه وبين ترامب، ورداً على استفسار من ترامب لماذا لا تعترف السلطة الفلسطينية بيهودية «إسرائيل»؟ قال له أبو مازن: «كيف نعترف بدولة يهودية وخمس سكانها من الفلسطينيين وسبعة في المئة من سكانها من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق وهم مسيحيون ومسلمون؟».
لم يكن الرئيس الأمريكي يعرف هذه التفاصيل وفوجئ بها حيث عبأه «الإسرائيليون» بالتحريض ضد الفلسطيني فقط. الفلسطينيون بعد جولة ترامب لم يكونوا متأكدين من جدية الطرف «الإسرائيلي» في السعي نحو السلام، بل هم على قناعة تامة بأن القاموس الحالي لحكومة نتنياهو يخلو من كلمة السلام. ف «إسرائيل» تتطلع للقفز عن القضية الفلسطينية نحو السلام الاقتصادي ضمن حل إقليمي ولا وجود لخيار الدولة الفلسطينية فيه، بل تطبيع مع العرب وتعاون اقتصادي وأمني فقط، وعندما طرحت القيادة الفلسطينية موضوع الأسرى المضربين عن الطعام أمام المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات قال إنه ليس طرفاً في هذه المسائل لكنه في اليوم التالي انتقد حركة حماس لعدم إفراجها عمن لديها من أسرى لجنود «إسرائيليين».
ما يطمئن الفلسطينيين أن هناك موقفاً عربياً موحداً يرفض ما يطرحه «الإسرائيليون» ويتبناه الأمريكيون عن التطبيع التدريجي مقابل تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين،حيث إن الدول الثلاث وهي مصر والأردن والمملكة السعودية رفضت أي تعديل على مبادرة السلام العربية. لكن على أرض الواقع تواصل «إسرائيل» سياسة التهويد في الحوض المقدس في القدس المحتلة، عملاً بمقولة هيرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول في سويسرا، حيث قال «لو وضعنا أيدينا على القدس وأنا ما زلت حياً سأزيل كل المعالم غير اليهودية فيها». وبالطبع فإن السياسة «الإسرائيلية» الحالية تسير على هذا النهج من حيث الاستمرار في الحفريات وإقامة الأنفاق تحت المسجد الأقصى بحجة أنها أنفاق يهودية مع أن علماء التاريخ يؤكدون عكس ذلك، أي أنها مجرد قنوات لجلب الماء.
حتى الآن تبدو المحاولات الأمريكية لدفع المفاوضات تراوح مكانها لأنها لم تتوصل إلى أفكار غير تقليدية لاستئناف المفاوضات، ويصر الفلسطينيون على وجوب السير في مسارات ثلاثة أي: سياسي واقتصادي وأمني في آن بعكس الحكومة «الإسرائيلية»، وما زال الفلسطينيون يراهنون على الموقف العربي الموحد بشأن عدم المس بمبادرة السلام العربية، فيما البيت الفلسطيني يشهد توترات غير مسبوقة بين حماس وفتح في غزة، وقد أوقفت السلطة أغلب رواتب وزراء ونواب حماس في غزة وأبلغت «إسرائيل» أنها لن تسدد فواتير كهرباء غزة لأن حماس لا تورد الجباية إلى المالية الفلسطينية بل تستخدمها للصرف على نفسها فيما طالبت أصوات في فتح بمعاملة حماس في الضفة الغربية بالطريقة التي تعامل بها حماس فتح في غزة من حيث حظر أنشطة حركة فتح. وقد تبنت حماس موقف قطر في نزاعها الأخير مع دول الخليج واستأنفت اتصالاتها مع إيران أسوة بقطر ما يعني عملياً دفن أية آمال في المصالحة الفلسطينية. 
عن الخليج الاماراتية