كاد المريب أن يقول خذوني، هذا ما يثبته البيان الختامي الصادر عن "ملتقى المرأة الفلسطينية في الخارج"، 19-20 أيار 2017 - بيروت، معلناً إطلاق "رابطة المرأة الفلسطينية العالمية"، ومؤكداً أن الرابطة: "لا تُعتبر منافساً أو بديلاً لاتحاد المرأة الفلسطينية، وإنما هي هيئة شعبية تعنى بشؤون المرأة الفلسطينية شأن كل الهيئات الشعبية التي تعتني بقضايا المرأة الفلسطينية". وحدد البيان القضايا البرنامجية التي ستتبناها "الرابطة"، وبما يؤكد على برنامج مزدوج، وطني واجتماعي، يجمع بين "دور المرأة في الصراع الوطني" ودورها في "العناية بالمرأة والأسرة الفلسطينية في الشتات"، وتعزيزها "الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية والقانونية والمهنية"، وينتهي البيان بتحديد أهداف الرابطة في بناء علاقات تعاون وتنسيق مع المنظمات العربية والدولية؛ بما يخدم القضية على الصعيدين، العام والخاص، الوطن والمرأة.
لا يُبذل الكثير من الجهد لقطع الشك باليقين، حين اعتبرت الدعوة أن عقد الملتقى تجسيداً وترجمة لقرار "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" الذي التأم في شباط الماضي في "استانبول" بدفع منهجي من حركة "حماس"، وقيامه تشكيل هيئة تأسيسية، واضعاً برنامجاً شاملاً، وطنيا وسياسيا واجتماعيا.
لم يثر المؤتمر النسائي الضجة التي أثارها المؤتمر الشعبي، مر بهدوء دون أن يُعَكِّر صفْوَه بيانات أو مواقف معارضة. لم يقصد الملتقى الحشد كما استهدف المؤتمر الشعبي، حيث حرص المنظمون والمنظمات ألا يقل عدد المشاركات بأعماله عن مئتي مشاركة أعلنتها الدعوة! ربما درءاً للغبار الذي يمكن أن يُثار بساحة يتكثف في فضائها الصراع الداخلي الفلسطيني. إلا أن الداعيات بحثن عن إسباغ شرعية ما على أعمالهن، توجهن بالدعوة إلى عضوات من القوى النسائية في لبنان تحديداً، كأفراد بمعزل عن صفاتهن الحزبية.
يتضح مما سبق، العلاقة العضوية التي تربط بين المؤتمرين، مؤتمر الخارج وملتقى المرأة. مؤتمر قطاعي يستكمل الأجندة وينفذ أحد قرارات المؤتمر العام كأحد حلقاته. خطوة متدرجة نحو تشكيل البدائل الشعبية.
لم يُسْعف النص الوارد في البيان أصحابه، عدم المساس بدور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وما يمثله، ائتلاف جبهوي الجامع للمنظومات السياسية النسوية. سرعان ما تظهر حقيقة الإطار، البرنامج يجوَّف النص ويفرغه من وظيفته، استباق ردود الفعل المتوقعة، ومحاولة ساذجة لطمأنة الرأي العام والاتحاد، التمويه على طبيعة أهداف المؤتمر الحقيقية.
إن لم تكن الرابطة الوليدة بديلاً، وتبرئتها من تهمة شقّ الحركة النسائية، كيف يمكن تفسير عدم قرع باب بيت اتحاد المرأة، البيت الشرعي التاريخي؟ كيف نفسر عدم لجوء قيادة الملتقى التواصل مع قيادة الاتحاد العام للمرأة في الساحة اللبنانية لطمأنته وتوضيح التخوم الفاصلة بين إطار إضافي وبين إطار بديل .. وكيف نفسِّر الدعوات الموجهة للمنظمات النسوية كأفراد وليس كأطر ذات كيان؟!
لا بد من أن الملتقى قد أفرز إطاراً أُريد له أن يصبح بديلاً للاتحاد في الشتات، ينظم النساء ويقودهم بالاستناد إلى برنامج موازي لبرنامج الاتحاد. أليس في هذا تفتيت وشرذمة، وهل توقيت عقد الملتقى بعد أيام من صدور وثيقة حماس "مطلع أيار" محض صدفة؟ الوثيقة قدمت نفسها إطاراً بديلاً عن منظمة التحرير.
من جهة موضوعية أخرى، لا بد من عدم وضع الرؤوس بالرمال المتحركة في الخارج. تقييم الذات والتعاطي مع المستجدات الجارية دون توقف. استمرار التمسك بخطاب نظري وغض النظر عن القصورات اتجاه فلسطينيات الشتات، تهديد الوجود والهوية، الهموم والمصاعب والتحديات. أفراد يواجهون مصيرهم وحدهم على قارعة الطريق دون غطاء وحماية، في حالة انكشاف وتخلي صارخ.
ذات الحكاية دائما، عدم توازن العلاقة بين الداخل والخارج، تبادل التهميش وفق معادلة مكان وجود قيادة المنظمات الشعبية.
في الحالة الراهنة، لا يجدي حديث المبادئ النظرية والسطحية نفعاً لمعالجة الهموم، لا يمكن دعوة النساء لمحاربة الانقسام والبدائل الفئوية دون تقديم الحلول وإشراكهم بالفعل والتأثير على مختلف الصعد، السياسية والبرنامجية.
لا يمكن الإتكاء على الماضي الجميل لشحذ التماسك والالتفاف، وقت كان الاتحاد والأطر النسائية تمثل ماديا ومعنويا الفلسطينيات في جميع أماكن التواجد. والنساء تقابلها التمثيل الحقيقي بصدق الانتماء وتقديم التضحيات. هذا الخطاب مرت تحت جسوره المياه العادمة. لا تأثير له في الإجابة على محاولات شق الحركات الجماهيرية ومنها النسائية.
وختاما، عبثاً وقف مسلسل شق الحركة الجماهيرية دون تقييم شامل للبرنامج والأداء وأدواته. قبل ذلك، التماس مبررات استجابة البعض حضور المؤتمرات. الهم ثقيل والتغيرات متسارعة تضع المصير على حافة الضياع. لقد ولّد الابتعاد وتجاهل ما آلت إليه الأحوال فراغاً وفجوات، من الطبيعي أن تتجهز قوى لتعبئته، فرصتها السانحة للانقضاض، رغم عدم امتلاك هذه القوى، في أغلبيتها أصولية وعقائدية ما تقدمه للنساء: الهوية والبرنامج الديمقراطي، من هنا نبدأ.
ليس من حل سوى استعادة توازن العلاقة بين قيادة الحركات الشعبية ومجتمعات الشتات، في مركز الفعل والثقل التنظيمي، التوجه نحو عقد مؤتمرات الاتحادات ومنها المرأة، داخل الوطن وخارجه، انتخاب وتجديد الأدوات والآليات والبرنامج الوطني والاجتماعي، بشكل ديمقراطي.