شهد الإسبوع الماضي جملة من العناوين والمؤشرات، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، بأن أركان الحكومة الإسرائيلية تعمل وفق سياسة معدة سلفا، وبشكل مدروس لشطب وتصفية عملية السلام. ويبدو للمراقب، كأن هناك ضوءاً أخضر من بعض اركان الإدارة الأميركية والقوى المؤثرة في صناعة القرار الأميركي فتح امام الإئتلاف اليميني المتطرف لمتابعة خيار تبديد عملية السلام، وقطع الطريق على اية جهود للرئيس ترامب تصب في إتجاه بناء ركائز الصفقة المتوقعة وغير محددة المعالم. مع ان الناطقة باسم وزارة الخارجية، هيذر ناورت، اعلنت في اول تصريح لها بمناسبة توليها مهامها الجديدة، وبمناسبة مرور خمسون عاما على الإحتلال الإسرائيلي، وأول تصريح أميركي من نوعه وأهميته في العهد الجديد يوم الخميس الماضي: بأن إستمرار الإحتلال (الإسرائيلي) يترك رسالة لا لبس فيها، أن حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم سيبقى مجرد حلم،وأن رغبة الإسرائيليين "في الأمن والسلام ستبقى غير محققة" ولذلك "فإن إنهاء الإحتلال، الذي بدأ عام 1967 والتوصل إلى حل الدولتين عن طريق المفاوضات، هو الطريق الوحيد (لننتبه جميعا للوحيد) لوضع أساس سليم لسلام دائم يلبي حاجة "الإسرائيليين" إلى الأمن وطموح الفلسطينيين في إقامة الدولة ذات السيادة. وإنه السبيل الوحيد لتحقيق الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني". الأمر الذي يدفع حكومة نتنياهو للإيغال أكثر فأكثر في مسابقة الزمن لتحقيق هدف تدمير عملية السلام، والحد من اية أفكار او مبادرات ترامبية لا تستقيم مع المخطط الإسرائيلي.
وإنطلاقا من فرضية سياسية إسرائيلية قديمة جديدة، تقوم على ركائز العملية الإستعمارية الإحلالية والإجلائية، وعناوينها: اولا تثبيت الحقائق على الأرض؛ ثانيا إنتزاع ما يمكن إنتزاعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما يحول دون السماح ببلوغ حل الدولتين؛ ثالثا وفي ذات الوقت الحؤول دون الدولة الواحدة؛ رابعا الدفع بالخيار الإسرائيلي، الذي يروج له نتنياهو وأركان إئتلافه الحاكم، وهو ما اعلن عنه في اعقاب لقائه مع مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، هيلي كيلي نهاية الأسبوع الماضي، عندما رفض الإشارة لخيار الدولتين، واستبدله بالحديث عن كيان فلسطيني هش وخاضع كليا للسيطرة الأمنية ألإسرائيلية. عندما قال في هذا الصدد، بان الأمن بين البحر والنهر سيكون باليد الإسرائيلية، ولن يسمح بأي سيادة للفلسطينيين، بالإضافة لبقاء القدس موحدة تحت السيطرة الإسرائيلية، وطبعا مع شرط إعتراف الفلسطينيين ب"يهودية" الدولة الإسرائيلية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، التي طردوا منها عام 1948 و1967. ليس هذا فحسب، بل أن ريغف، وزيرة الثقافة ذهبت أبعد من نتنياهو في تطرفها وأقصويتهأ، وأعادت للأذهان ما كانت غولدا مائير، رئيسة الوزراء الأسبق لإسرائيل أعلنته ذات يوم، بأنه "لا وجود للشعب الفلسطيني". وكأن الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية من نسيج خيال العالم بما في ذلك الشعب والقيادات الأميركية، وإذا كان الأمر كذلك، لماذا تتحدثي عن "التحريض" و"الإرهاب" و"عدم وجود الشريك" الفلسطيني؟! ولماذا تعترف دول العالم بالشعب الفلسطيني؟ وبماذا تسمي الملايين الستة من البشر الموجودين ما بين البحر والنهر غير اليهود الإسرائيليين؟ الآ يوجد لهم إنتماء وهوية محددة؟ ولماذا تلبسي اثوابهم وتسرقي تراثهم وتتقمصي تاريخهم؟ ام انهم غير ظاهرين لك، ويلبسون طاقية الإخفاء؟
بالـتأكيد وزيرة الثقافة الإسرائيلية لا تمزح، ولا تهرج، إنما تعكس سياسة إسرائيلية تتعمق يوما بعد الآخر في اوساط الأحزاب والقوى اليمينية والحريديمية المتطرفة، التي لم تتصور بقاء إحتلالها لإراضي دولة فلسطين خمسين عاما. لذا عملت القوى الصهيونية اليمينية على التعميم التدريجي لروايتها الزائفة والمغرضة، وتثبيت حقائق لا صلة لها بالواقع، جلها يتركز على مبدأ نفي النفي للشعب الفلسطيني عبر خيار الترانسفير وان تعددت الأساليب لتحقيقه بالقدر الذي تستطيع. الأمر الذي يشير بشكل واضح إلى ان السلام يطير في مهب الريح، وهو ما يفرض على إدارة الرئيس ترامب الإسراع في تحديد عناصر مبادرتها، وإلزام إسرائيل بوقف عمليات الإستيطان الإستعمارية في الأراضي الفلسطينية، وتهيئة المناخ لدفع عربة السلام وفق ما جاء في تصريح السيدة هيذر ناورت، الناطقة باسم الخارجية الأميركية وقبل فوات الآوان.