مسلسل الجماعة وعبد الناصر

د.عاطف أبو سيف.jpg
حجم الخط

يثير مسلسل الجماعة الذي يعرض في رمضان هذا الشهر الكثير من الأسئلة والانتقادات خاصة أنه يتناول مرحلة حرجة ومهمة في تاريخ مصر الحديث، وهي المرحلة التي تلت ثورة يوليو 1952، وبكلمة أخرى فإنه يناقش علاقة جمال عبد الناصر بالإخوان، وهي علاقة فارقة في تاريخ الإخوان وفي تاريخ الرجل الأهم في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
الجزء الأول من المسلسل الذي يكتبه الكاتب وحيد حامد كان قد عرض قبل سنوات وعالج فترة تأسيس الجماعة منذ عشرينيات القرن العشرين حتى اللحظة التي سبقت اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا.
خلال تلك الفترة فقد ركز المسلسل على علاقة الجماعة مع القصر ومع الوفد بوصفه الحزب الحاكم واغتيال النقراشي باشا والخازندار والتفجيرات التي قصدت زعزعة الأمن التي قام بها التنظيم الخاص للإخوان بزعامة السندي.
وقصة الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي ودوره وما قام به خاصة في مصر خلال القرن الماضي وعلاقته المضطربة وغير الثابتة مع السلطة الحاكمة هي قصة مثيرة بحد ذاتها.
فدور الإخوان في المراحل الحاسمة من تاريخ مصر كان مثيراً دائماً وكان موضع تساؤل وأثار العديد من علامات الاستفهام التي لا يمكن أن تحسب دائماً ضد الجماعة، رغم أنها وصلت في مراحل للاشتباك الدموي مع السلطات الحاكمة سواء في العهد الملكي وفي مراحل الجمهورية المختلفة في عهود جمال عبد الناصر والسادات ومبارك.
ومن المؤكد أن العلاقة باتت أكثر إثارة بعد ثورة يناير التي أطاحت بمبارك وجاءت بالمجلس العسكري ومن ثم وبعد انتخابات حرة ونزيهة تمكن مرشح الإخوان محمد مرسي من أن يكون أول رئيس مدني في مصر في عهد ما بعد الملكية.
ولابد أن ما حدث بعد ذلك ليس بعيداً عن ذاكرتنا، إذ تصادم الإخوان وهم في الحكم مع العسكر لتتم الإطاحة بهم مرة أخرى.
هل يشبه ما حدث بعد ثورة يناير ما حدث بعد ثورة يوليو؟ ربما وقد تبدو قراءة ما جرى وقتها قبل قرابة ستة عقود مغرية لأنها قد تشكل مقاربة قديمة لمشهد معاصر، خاصة علاقة الإخوان بثورة يوليو وعلاقتهم بثورة يناير.
لكن على أهمية ذلك فإنه ليس المثير في مسلسل الجماعة بجزئه الثاني هذا العام. المسلسل كما أسلفنا يعالج واحدة من أكثر مراحل التاريخ المصري الحديث إشكالية وربما أهمية.
إنها الفترة التي نجح فيها الضباط الأحرار بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر بالقيام ىانقلاب عسكري والإطاحة بالملك فاروق وتحويل نظام الحكم بعد ذلك إلى نظام جمهوري.
الضباط الأحرار استعانوا باللواء محمد نجيب حتى يكون رئيساً مؤقتاً للبلاد إلى حين تسوية الأمور واستكمال القضاء على الملكية وأذيالها خاصة من الإقطاع.
وعليه كان على الضباط أن يتصادموا مع فلول الملكية والإقطاع ورأس المال بعد أن قاموا بسن جملة من القوانين المتعلقة بتحديد السقف الأعلى للملكية وقوانين تنظيم النقابات وغير ذلك.
صور المسلسل علاقة جمال عبد الناصر بالإخوان ضمن جوانب مختلفة، فمن جهة فإن المسلسل يصر ويركز ويعيد التذكير بأن الزعيم العربي الكبير كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين وأنه أقسم اليمين على المصحف والمسدس.
وفيما ثمة شكوك كبيرة واحتمالات واردة بأن عبد الناصر فعل ذلك في المرحلة المبكرة من حياته رغم أنه نفى ذلك قطعياً في مقابلات معه، فإن المسلسل يحاول أن يجعل من هذا الأمر قضية كبيرة.
وربما ثمة دوافع درامية وليست تاريخية وراء ذلك حيث إن مؤلف المسلسل يريد أن يؤكد أن عبد الناصر استنزف جهوده وهو يحاول أن يرضي الإخوان واستغل بذلك علاقته القديمة معهم خاصة مع بعض ضباطهم في الجيش.
رغم ذلك فإن المسلسل في حلقاته الأولى يفعل ذلك على حساب شخصية عبد الناصر.
فعبد الناصر لا يبدو حتى الحلقة العاشرة بتلك الشخصية القوية الهادرة صاحبة الرأي القاطع، بل يظل مهادناً للإخوان وينجح باستثنائهم من قرار منع الأحزاب ويزور المرشد ويناقشه ويستقبل بين يوم وآخر مبعوث الإخوان صديقه حسن عشماوي، ويبدو في الكثير من المواقف في موقف الضعيف الذي يرجو ويتمنى، رغم مواقفه القاطعة التي لا يتزحزح عنها.
فمثلاً طريقة تعاطي قادة الإخوان مع عبد الناصر بعد أن يقوم بالثورة تبدو مستغربة خاصة مناداته باسمه الأول أو حتى طريقة مخاطبتهم له.
عموماً فوحيد حامد، كاتب المسلسل، معروف بمواقفه المعارضة للإخوان وأفلامه في مناقشة العنف والدين كثيرة. لكن أيضاً فإن المسلسل لا يقدم الإخوان بوصفهم حملاً وديعاً، بقدر ما يقدمهم على حساب عبد الناصر. 
لكن النقطة الأكثر إثارة للجدل ربما هي علاقة عبد الناصر بسيد قطب. فسيد قطب يبدو معلماً وملهماً ومنظراً ومفكراً (وكل ما يمكن أن يضاف من صفات) لعبد الناصر وللضباط الأحرار.
قضيتان مثار جدل في هذا المضمار إلى جانب السابق. أولاً حقيقة إطلاق سيد قطب لقب ثورة على ما قام به الضباط الأحرار والقضية الثانية هي حقيقة حضور سيد قطب اجتماع مجلس قيادة الثورة.
فمن غير المؤكد أن سيد قطب كان من أطلق لقب ثورة على حركة الإطاحة بالملكية. صحيح أن كتابات سيد قطب كانت تبدو مع الثورة وهو كان فعلاً مؤيداً لها، لكن المراجع التي تشير إليه في توصيف ما جرى بالثورة ضعيفة.
إلى جانب حقيقة المظهر البائس الذي يبدو فيه عبد الناصر والضابط مثل التلاميذ وهم يستمعون لتعاليم سيد قطب وتوجيهاته لهم بل وتوبيخه لهم في الكثير من الأحيان.
وربما ثمة مغالاة في تقديم شخصية سيد قطب التي تبدو سلبية منذ البداية فهو متذمر متكبر متعجرف يحب الاستعراض الفكري وما إلى ذلك. وهذه قضية أخرى. أما فيما يتعلق بحضوره اجتماع مجلس قيادة الثورة فتلك قضية كبيرة لا تلقى الكثير من الإجماع بين المؤرخين.
أخيراً فإن المسلسل يرتكز على فكرة الصراع الدائم سواء على المستوى الشخصي أو العام بين الثورة والإخوان وبين عبد الناصر ومحمد نجيب وبين المرشد الهضيبي الوافد من خارج الأسوار بالنسبة للحرس القديم في الجماعة ومنافسيه خاصة مناهضيه في التنظيم الخاص.
صحيح أن المسلسل في بعض الأحيان يسرف في تقديم طموح عبد الناصر الشخصي ونزوعه نحو السلطة والحكم، لكنه يقدم كل ذلك وفق منظومة الصراع التي تشكل جوهر الدراما الحقيقية.
في المحصلة فإن الفن ليس التاريخ وإنما أحد احتمالات ما جرى. وهذا سؤال آخر.