صيام أخلاقي على طول السنة

03096321181606583170273831366134.jpg
حجم الخط

 

قتلت قبل أيام فتاة في محافظة الخليل، قالت الشرطة ان ظروف قتلها غامضة ، تبلغ من العمر سبعة عشر ربيعا ، وتعد في عرف الأمم المتحدة طفلة ، وانتظرت مع غيري ان ترفع الشرطة ستار الغموض عن هذا القتل الأسود في هذا الشهر الفضيل ، فازداد الغموض غموضا ، لكن الناس يفهمون بالسياق والسليقة ، ان هذا النوع من القتل ، يظل غامضا لفترة طويلة ، سواء وقع في رمضان او في غيره من أشهر السنة ، فهذا غموض محبذ، يصاحبه تشجيع ضمني من شيوخ القبيلة والعشيرة ووجهاء المنطقة ، ثم بعد ذلك احكام مخففة من قبل قاضي المحكمة والمحامي والنائب العام ، فيستمر القتل ويتزايد ، وتتزايد معه غموضات الشرطة .

واذا كان هذا النوع من "القتل الغامض" له من يبرره ومن يشجعه ومن يطبطب عليه ، فإن مقتل خمسة افراد من عائلة واحدة وسط مدينة غزة ، هم شقيقان واولادهما الثلاثة على خلفية غير غامضة ، هي مفتاح الحوش الذي يقطن فيه الأخوان وعائلتاهما ، يثير في النفس السخط والاشمئزاز ، فلا سبب القتل معقول ولا كل هذا الغضب المصاحب ، فكيف حين يكون كل ذلك في الشهر الفضيل ورمضان الكريم ، حيث في الأغلب ان يكون الطرفان ، القاتلون والمقتولين ، صياما ، وربما يتناولون وجباة افطارهم وسحورهم وصلاة تراويحهم معا . والآن وقد فقدت العائلة خمسة من ابنائها واتسعت الارض في رمضانها لخمسة قبور جديدة ، كيف يمكن ان ينظر من تبقى من هذه العائلة الى عيون بعضهم بعضا ، وكيف يمكن ان يعيدوا قاطرة العيش المشترك والعائلة الواحدة الى سكة الحياة الجميلة او السعيدة ، القائمة افتراضيا على التكافل والتعاضد والاخوة والمحبة ، بل كيف يمكن ان يدرأوا عيون الناس الاخرين الناظرين اليهم بدونية واحتقار ، بل كيف للواحد منهم تدبير الامر مع نفسه ومع ربه ، بعد ان أساءوا كل هذه الاساءة للشهر الفضيل .

ليس هذا حادث القتل الوحيد الذي يتم على الخلفية غير الغامضة ، وان كان الأفظع ربما ، بسبب عدد القتلى وتفاهة السبب ، فهناك حوادث اخرى يتم فيها القتل والجرح على خلفية الشجارات العائلية وغير العائلية التي امتدت من شمال الوطن الى جنوبه ، ناهيك عما يسمى بحوادث السير ، التي ترتفع وتيرتها بنسبة مرتفعة خلال الشهر الفضيل ، والتي لا تقتصر على السيارات المشطوبة والمسروقة ، بل على سيارات قانونية مرخصة ومؤمنة ، ولكن سرعتها الجنونية في الشوارع المزدحمة تجعلك تدرك ان سائقها يريد الوصول الى البيت قبل موعد الافطار .

في التراث القديم ، كان يكفي الانسان حين يواجه موقفا استفزازيا القول : "اللهم اني صائم" ، فينسحب هذا الصيام الاخلاقي والتربوي على كل اشهر السنة .