المهندس علي كغيره من أبناء قطاع غزة تجود أيديهم على قدر المستطاع في شهر رمضان. اخبرني اليوم انه تعود كل سنة بإخراج زكاة ماله، وقال هذه السنة مختلفة عن السنوات الماضية، فالأوضاع الاقتصادية قاسية وحال الناس يزداد سوء يوما عن الآخر، وبعض الذين يعرفهم من المستورين عفاف النفس وليسوا من المحتاجين توجهوا إليه ونطقت شفاههم همساً عن سوء أحوالهم الاقتصادية وحاجتهم للمال، ويوماً بعد الاخر تنضم إعداد كبيرة من المواطنين لصفوف الفقراء.
قيمة التبرع ضئيلة والتبرع الضئيل، وبالنسبة للفقراء والمحتاجين كبيرة ومهمة ويساعد في انفراجه. هذه الانفراجة هي مطلب مئات الآلاف من الفلسطينيين الغزيين الذين يبحثون عن الانفراج الكبير، والخيارات القليلة، والاحتياجات المعيشية التي لا تنتهي لشعب لم يعد يقوى على الصبر والصمود والوضع الانساني في غزة على شفا الانفجار والانهيار، ويعاني الذل وتهان كرامته وأنهكه الحصار والانقسام والصراع على السلطة ومعركة كسر الإرادات.
لم تفاجئنا تفاهمات حماس دحلان فهي قطعت شوطاً طويلاً وعجل في قطف ثمارها انعدام الأفق والخيارات لدى حركة حماس، واجراءات الرئيس محمود عباس ضد غزة والخصم من الرواتب والتقاعد الإجباري وتقليص كمية الكهرباء، وهذا فاقم خطورة الوضع الانساني في القطاع.
الرئيس عباس وحماس لم يبذلا ما في وسعهما لزيادة فرص اتمام المصالحة، انما عمقوا الانقسام والانفصال ويتشبث كل طرف بموقفه، وخطر اندلاع حرب جديدة على غزة قائم، واذا اندلعت ستكون أيدي الطرفين ملطخة بالدماء.
حماس وعباس ذهبا كل في اتجاه والبحث عن مصالحهما بشكل حزبي وليس وطني وسيستمر كل طرف في اللعب بالناس الذين يدفعون الثمن. الآن نحن نسير باتجاه الانقسام والفصل وليس الإنقاذ الوطني كما يروج وإنقاذ وطني بين من؟ وسيقوم كل طرف بإتمام إنضاج شروط إستمرار الحرب الداخلية والعقوبات الجماعية ضد غزة. ليس حماس فقط من لا تريد المصالحة، فالرئيس عباس لا يريدها. على العكس، تفاهمات حماس دحلان تخدم اهداف الرئيس عباس بشكل افضل وتعزز من موقفه. حيث سيبدو وكأنه يفعل شيء من اجل استعادة الوحدة بفرض مزيد من الإجراءات العقابية، فالهدف هو بقاء المشروع السياسي لكل طرف ولا توجد فائدة وطنية، انما الفائدة الخاصة والانانية.
للأسف الشديد، عندما ننظر الى حالنا لا نرى سوى الصراع على البقاء في السلطة واستمرار الانقسام. الغزيون طموحهم كهرباء ومعبر وعلاج وعمل بأدنى أجر، وسيعجبون بتفاهمات حماس دحلان التي ستحقق لهم بعض من ذلك. وسيزداد الفقراء فقراً، وسيبقى الفقراء والمحتاجين والمستورين في انتظار أموال الصدقة وزكاة شهر رمضان وكرم وجود المحسنين.