من الحلول المقترحة لحل أزمة المياه، حفر آبار جمع منزلية، وصيانة الشبكات القديمة، حيث يمكن توفير 15% من الفاقد عن طريق إصلاح الأنابيب. وبناء خزانات ضخمة لجمع المياه وإعادة توزيعها، وأيضا إقامة السدود الطبيعية والصناعية عند مجرى السيول والوديان للاستفادة من مياه الأمطار التي يتبخر ويضيع جزء كبير منها هدرا؛ حيث تعتمد فلسطين على الأمطار لتغذية الخزانات الجوفية، وتقدر نسبة الأمطار المتسربة إلى باطن الأرض بحوالي 30% من كمية الأمطار الساقطة، ما يعني أن 70% منها ضائعة..
وهذه حلول مهمة، لكن الحل المستدام هو حفر آبار تصل للمياه الجوفية العميقة، وهو الحل الأرخص والأفضل والأكثر اعتماداً على الذات، والأكثر ديمومة.. إضافة إلى إعادة تأهيل نهر الأردن وتقاسمه بشكل عادل.
ومن الحلول بعيدة المدى إعادة تدوير المياه الهامشية الرمادية، بعد معالجتها وتنقيتها واستخدامها للري وبعض الاستخدامات الأخرى.. وقد ازدادت أهمية تدوير المياه الهامشية في السنوات الأخيرة، مع تزايد استخدام المنظفات والكيماويات والمخلفات الصناعية والمنزلية، التي تتفاقم آثارها السلبية عاما بعد آخر، حتى صارت بحد ذاتها مشكلة بيئية تتطلب حلولا عملية؛ فتكثفت وتيرة الاهتمام العالمي بمعالجة مياه الصرف الصحي كأحد الحلول المقترحة التي تسهم في تقليل الطلب على المياه العذبة من جهة، وللتخلص من المياه الهامشية مع محاولة الاستفادة منها مرة ثانية من جهة أخرى.
وهناك فرق بين المياه السوداء (مياه المجاري) الناتجة عن المراحيض، وهي ذات تلوث مرتفع. والمياه الرمادية، (المياه العادمة) الناتجة من الاستخدامات المنزلية مثل الاستحمام، وغسل الملابس، والتي لم تختلط بمياه المجاري، وهي ذات تلوث منخفض. وقدرت دراسات عديدة نسبة المياه الرمادية بنحو 35% من إجمالي كمية المياه التي يستخدمها المنزل.
ولا بد من التمييز ما بين استخدام المياه الهامشية المعالَجة لأغراض الري المنزلي، وبين معالجة وتكرير المياه العادمة على المستوى الأكبر؛ حيث أن النوع الأول من تدوير المياه يتم على مستوى مشاريع متناهية الصغر، أي على مستوى منزل واحد أو عدة منازل متجاورة، وهذا يتطلب تقنيات بسيطة، لترشيح مياه الصرف الصحي المنزلي الخارجة فقط من المغاسل و»البانيو» و»الدوش»، واستخدامها لأغراض الري، وبعض أعمال التنظيف. وفي هذا النوع من المعالجة يتوجب أن تكون مواسير المجاري الخاصة بالمغاسل والبانيو والدش منفصلة تماما عن مواسير المجاري الخاصة بالمراحيض.
وأبسط أنظمة استخدام المياه الرمادية وضع سطل لتجميع المياه أسفل المغسلة، ثم استخدامه في الزراعة أو التنظيف، لكن استخدام المياه الرمادية (غير المعالَجة) في الري سلوك خاطيء، لما تشكله من أضرار بالغة على الصحة العامة، وعلى النباتات والتربة أيضاً. فالمياه الرمادية غير المعالجة تحتوي على ملوثات كيماوية ضارة، وعلى أنواع من البكتيريا الممرضة، والأميبا وغيرها، لذا يجب معالجتها قبل استخدامها.. وإذا تمت معالجتها واستخدامها بحذر، وحسب الأصول الصحيحة؛ فهذا يعني توفير الكميات اللازمة من مياه الري، حيث يمكن لكل منزل أن ينتج ما معدله 250 ليتراً من المياه الرمادية في اليوم، وهذه المياه تزيد من خصوبة التربة لاحتوائها على بعض العناصر الكبرى والنادرة الضرورية لنمو النبات، وهذا بدوره يسهم في توفير نفقات تفريغ حفر الامتصاص الصحية، حيث يقل الضغط عليها.
ولتعميم الفائدة أكثر، والاستفادة على نطاق أوسع، يمكن العمل على المستوى الوطني، وذلك بدعوة المساجد والفنادق والمسابح والمطاعم والمستشفيات والأبنية الكبيرة والمرافق العامة لاعتماد هذا النظام لمعالجة المياه الرمادية وإعادة استعمالها. حيث يمكن الاستفادة من ثروة مائية تتجمع في هذا المجال. ويمكن تقدير كمية المياه الرمادية المنتجة في فلسطين بنحو 106 مليون متر مكعب.
أما تكرير المياه العادمة على المستوى الأكبر، فيتم من خلال شبكة صرف صحي مرتبطة بمحطة معالجة وتكرير؛ فمثلا مدينة البيرة، تتوفر فيها شبكة صرف صحي ومحطة معالجة، ولكن هذا الوضع لا ينطبق على مدن أخرى؛ ففي الخليل مثلاً، توجد شبكة ولا يوجد محطة معالجة، بل تتدفق المياه الملوثة عبر الوادي لمسافات طويلة. كما أن وجود محطة معالجة لا يعني بالضرورة سلامة البيئة؛ فمحطة رام الله تعاني من قصور في الأداء.
وحسب البيانات الرسمية 1% فقط من المياه المعالجة يعاد استخدامها، فيما تترك 99% منها تنساب في الوديان دون فائدة، وتتحمل لجنة المياه المشتركة التي تتحكم إسرائيل بقراراتها المسؤولية عن عدم الاستفادة منها؛ فالاحتلال يرفض منح التصاريح اللازمة لجر المياه خارج المدن، أو إلى الأغوار بحجة أن شبكة الأنابيب تعبر المنطقة المصنفة «ج».
ومن أبرز معيقات مشروع الاستفادة من المياه الهامشية المكررة أن أغلب الناس يعارضون استخدامها في الري، لارتباطها في أذهانهم بالمجاري والتلوث والأمراض، وهذا يتطلب حملات توعية وتثقيف لأهمية الموضوع، وطرق المعالجة الصحيحة. وأيضا، ما يتعلق بتصميم شبكة مواسير المجاري، خاصة وأن البيوت القديمة لا يوجد فيها نظام فصل بين مواسير مياه الحمام ومواسير مياه المطبخ والمغاسل، حيث جميع المواسير متصلة معاً، لتصب في النهاية في شبكة المجاري العامة، أو في حفرة الامتصاص، وفي هذه الحالة لا يمكن إتباع أي نظام لمعالجة المياه العادمة، لأنها مياه سوداء شديدة التلوث، ولا تصلح للري، ولا يمكن معالجتها إلا في محطات تنقية خاصة تستعمل تقنيات معقدة. في حين أن تمديد شبكتين منفصلتين في البيوت الجديدة لتصريف مياه الصرف الصحي سيزيد من التكاليف والأعباء، مع أنه في النهاية سيؤدي إلى تقليل النفقات وتوفير مياه معالَجة، وتخفيف الضغط على حفرة الامتصاص، دون أية آثار سلبية على الصحة العامة أو على البيئة.
في الأعوام السابقة تم تنفيذ جملة مشاريع خاصة بمعالجة المياه الرمادية واستخدامها في الزراعة، وقد تركزت هذه المشاريع في الأغوار الشمالية، وفي قرى «قبية» و»خاراس» و»نوبا» و»دير سامت»، وفي قطاع غزة، والتي شملت تقديم منح لعدد من الأهالي لإنشاء محطات معالجة في باحات منازلهم، نفذتها مؤسسات عديدة منها: مركز العمل التنموي «معاً»، وجامعة بيرزيت، والإغاثة الزراعية، ومؤسسة الهيدرولوجيين الفلسطينيين.
بالمختصر، المياه الهامشية ثروة مائية مهدورة.. إذا عولجت؛ يمكن الاستفادة منها لحل أزمة المياه، وتوفير مبالغ مالية طائلة.
انقطاع كامل لخدمات الانترنت شمال قطاع غزة
19 أكتوبر 2024