مضى عقد من الزمن على الانقسام الفلسطيني ولا وجود لاحتمال، يملك درجة مقبولة من الجدية، بإمكانية الخروج منه قريبا.
لا يجوز من باب المجاملة او باب التهرب من تحديد موقف، او من اي باب او دافع آخر، تمييع الفعل الرئيسي الذي احدث الانقسام، ولا يجب تجهيل الفاعل. الانقلاب في حزيران 2007 هو الفعل الرئيسي الذي انتج الانقسام، وحركة حماس هي الفاعل.
الانقلاب لم يكن له أي مبرر واقعي بمستوى قسمة الشرعية الفلسطينية.
لم يكن له مبرر سياسي يقوم على تنازع السلطة فحركة حماس كانت حين قامت بالانقلاب الحكومة الشرعية الوحيدة في النظام الفلسطيني في الضفة والقطاع، ولم يكن قد مضى عليها في الحكم سنة، وهي فترة لا تكفي لكل الحديث اللاحق والمضخم حول انتزاع ومحاصرة الصلاحيات.
ولم يكن له مبرر عملي بادعاء انه استباق لانقلاب ضد حكم "حماس". فقد تأكد وبشكل قاطع امتلاكها كل القوة والمقومات التي تمكنها من محاصرة المحاولة المدّعاة وإجهاضها في مهدها والاستمرار في حكومتها الشرعية للضفة والقطاع معا. هذا القول لا ينفي احتمال وجود أدوار ثانوية، ساعدت في حصول الانقلاب او تبريره او تشجيعه، وأخرى تعايشت معه، وربما وظفته واستغلته.
لكن يبقى الجوهر والأساس، ان الانقلاب حصل تنفيذا لقرار واع من حركة حماس، وغالبا بتشجيع وتأييد من الحركة الأم، حركة الإخوان المسلمين العربية. وان الهدف هو بناء نظام سياسي فلسطيني يشكل موازيا في البداية ليتحول في وقت لاحق الى بديل لكل مكونات النظام الفلسطيني القائم، وببرنامج بديل.
يؤكد هذا القول كل خطوات بناء هذا النظام التي قامت بها حركة حماس بعد انقلابها على كافة المستويات والأصعدة: التشريعية والقضائية والإدارية والسياسية، وإقامة العلاقات والتحالفات المستقلة، وبناء الأجهزة الخالصة لها، والانفراد بحكم غزة وعدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية والانضباط لقراراتها وسياساتها.
كما يؤكده عدم احترام الاتفاقات العديدة التي تم التوصل لها لإنهاء الانقسام، وصولا الى الإعلان رسميا عن حكومة مستقلة خاصة بـ"حماس" وحدها تفرض حكمها على القطاع.
وخلال عشر سنوات في الحكم المنفرد حولت حركة حماس علاقتها بالقطاع الى ما يشبه العلاقة السيامية الملتصقة، وتعاطت مع كل الأمور والمسائل والشجون المتعلقة بالقطاع على أساس هذا الالتصاق. وأصبحت تنظر الى قطاع غزة وكأنه ملكية خاصة وحصرية لها.
ذكرى عقد على انقلاب "حماس" تأتي هذا العام، في وقت اصبح من شبه المؤكد فقدانها لحظوتها ومركزها وممولها في "الدوحة"، كما تمّ فيه الإعلان عن التصنيف الأميركي لها في خانة الإرهاب.
صحيح ان فقدان الحركة لحظوة ومركز الدوحة يشكل لها حدثا سلبيا نوعيا، لكنه لا يكفي ليشكل أساسا موضوعيا للمراهنات متعددة المصادر والخلفيات التي لا ترى من خيار لـ"حماس" سوى العودة الى حضن النظام الفلسطيني. لتشكل مكونا من مكوناته، تقبل بما تعطيه لها الانتخابات العامة من حجم ومن موقع فيه، وتمارس حقها من هذا الموقع في محاولة إدخال ما ترتئيه من تعديلات برنامجية او إدارية او نضالية بالطرق الديمقراطية.
فهذا الخيار له ثمن، جوهره تنازل "حماس" عن سلطتها المتحكمة في القطاع وتسليم حكمه الى حكومة الوفاق الوطني، وهو ثمن لا تبدو "حماس" في وارد تقديمه بعد.
الخيارات البديلة أمام حركة حماس ليست كثيرة وكل منها يحمل تعقيداته ومخاطره الخاصة وشروطه وتأثيراته، وربما أثمانه. وهي تأثيرات وأثمان لا يمكن ان تقتصر على حركة حماس وحدها بل انها ستطال، بهذا القدر او تلك الصورة، كل النظام السياسي الفلسطيني والقضية الوطنية بشكل عام.
حركة حماس اتجهت نحو الخيار المصري وهو بالتأكيد الخيار الأفضل والأنسب والأكثر طبيعية وواقعية. تفرض أولويته العلاقة التاريخية العميقة والدور المتميز لمصر في دعمها للنضال الوطني الفلسطيني في كل مراحله. كما تفرضها الجغرافيا وكون مصر المنفذ والمتنفس والممون لأهل القطاع وممرهم الى العالم.
بغض النظر عن دوافع ونوايا حركة حماس واستهدافاتها من وراء اتجاهها نحو مصر، وعن مدى تجاوب مصر، فان الخيار المصري لا يمكن ويجب ألا يشكل، لجهة المبدأ، نقيضا او بديلا او حتى مانعا لخيار العودة الى الحضن الفلسطيني. بل ان مصر يمكن ان توظفه للعب دور مهم، لصالح إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. خصوصا وان مواقف مصر وسياستها ثابتة بالاعتراف بالمنظمة وبالسلطة الفلسطينية والتعامل معها بوصفها القيادة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني، ورفضها للانقسام ومساعيها لإنهائه.
توجه "حماس" نحو الخيار المصري قام على متغيرين داخليين: الأول انتخاب قيادة جديدة لقطاع غزة، والثاني الوثيقة السياسية الجديدة التي أعلنتها وما حوته من تعديلات نوعية على بعض رؤاها السياسية البرنامجية، ومن إعلان، قطع علاقتها التنظيمية مع حركة الإخوان المسلمين، وان بشكل غير باتر تماما.
نجاح "حماس" في هذا الخيار لن يكون فوريا ولا سهلا فبقدر اعتماده على تجاوب "حماس" مع الطلبات المصرية، بالذات في محاربة الإرهاب ومحاصرة حركته وتأمين حدودها، فإنه سوف يعتمد في احد جوانبه الأساسية على رضا القيادة الفلسطينية، وتجاوبها/ تعاملها مع مخرجات هذا الخيار، بما يحفظ وحدة التمثيل والقيادة للشعب الفلسطيني ونضاله.
أما ما يتم تداوله عن توجه "حماس" لعقد تفاهمات مع الأخ محمد دحلان، فإذا صحت الأقوال، فهو توجه لا يمكن الاطمئنان إليه والى تفاهماته ولا يمكن المراهنة على استمراره ونجاحه، ولا يخرج عن دائرة المناورة قصيرة المدى. فـ"حماس" حتى الآن، وكما يكتب احد المعبرين عنها، وبكثير من التذاكي، لا تزال تحمّل دحلان وأعوانه مسؤولية "اضطرارها" القيام بانقلابها الاستباقي.
بالفيديو : كتائب القسام تقصف تل أبيب في ذكرى طوفان الأقصى
07 أكتوبر 2024