نحن والإسرائيلي والمفاوضات...!!

b4074a08395cccfa2439721cb44bffc8.jpg
حجم الخط

 

لا ثقة بالإسرائيلي في أي مفاوضات ومن العبث الاعتقاد أن عملية تسوية سوية يمكن أن تنتج مع هذا المستوى من التطرف الذي يقود اسرائيل شيئاً يرضي الفلسطينيين فقد أغلقت الإدارة التي تتشكل من أقصى يمين الخارطة في الدولة العبرية كل أبواب التسوية وألقت بمفاتيحها في المحيط، لأن من يشتم رائحة مفاوضات ويبدأ بالمناكفة بنصب تذكاري أو رواتب أسرى هذا لا يضع العصي في الدواليب فقط بل يحطم العجلات.
الجولة أو الجولات القادمة لن تكون أفضل من سابقاتها بالرغم مما يبدو من اندفاعة أميركية لأن اسرائيل تمكنت من خداع كل الإدارات الأميركية السابقة ونجحت في التملص لأكثر من عقدين من الزمن، وعندما فشلت في ممارسة التذاكي على وزير الخارجية السابق جون كيري قلبت الطاولة في وجهه بلا حساب لأن كل الحسابات توقفت عند مسألتين: الأولى اليمين وإيمانه بأن الضفة جزء من النصوص الدينية والثانية سياسة رئيس الحكومة بالبقاء في السلطة شريطة عدم إجراء أي تغيير في الوضع الراهن كما قال الكاتب أنطون شلحت في كتابه «نتنياهو عقيدة اللاحل».
المريب أن الادارة الأميركية الجديدة التي بدت في لحظة من اللحظات أنها ادارة قوية قادرة على الزام أطراف الصراع بالحل إلى الدرجة التي جعلت رئيس الحكومة الاسرائيلية يعرب عن قلقه بل وذهب بعض الكتاب في اسرائيل بالقول إن نتنياهو سيتذوق جنون ترامب لكن الحقيقة أن هناك لاعبا رئيسا هو اسرائيل والباقي متفرجون أو حكام بلا صلاحيات، بات واضحاً أن هذه الادارة تنسق جميع خطواتها مع الحكومة الاسرائيلية وأن اللقاءات التي تتم بين الثنائي الأميركي كوشنير - غرينبلات واسرائيل تعكس تفاهمات كبيرة والمثال الأكثر وضوحاً موضوع الأسرى والرواتب بينما أن تلك اللقاءات مع الجانب الفلسطيني لا تبدو مبشرة.
الطرف الفلسطيني بدأ يتعرض لضغوط واشتراطات أميركية قبل أن تبدأ المفاوضات وهذا نذير سياسي سيئ لمن يتابع طبيعة اللقاءات مع الطواقم الفلسطينية وعندما تتوقف الادارة الأميركية عند عائلات الأسرى وهو ما يمكن أن ينطبق على اسرائيل في رعايتها لعائلة يغال عمير قاتل رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق رابين يمكن أن نفهم مسألتين لا ثالث لهما الأولى اما أن هذه الادارة كما الادارات السابقة وأسوأ في تبني المواقف الاسرائيلية حتى الدخول في تفاصيل تسامت عنها تلك الادارات وإما أن هذه الادارة لديها نوايا تدعو للخوف منها كمن بدأ يمارس على الفلسطينيين بروفة الضغط والتنازلات وفي ذلك ما يدعو لإعادة النظر في كل ما تمت اشاعته من أجواء تفاؤلية سادت في الأسابيع الأخيرة.
الحقيقة التي تبدو أمامنا أنه بينما كان الفلسطيني يؤهل نفسه خلال العقدين الماضيين لعملية سلام كانت اسرائيل تكرس احتلالها أسوأ من سنوات السبعينيات والثمانينيات لتوصل الأمور الى واقع تكون فيه المفاوضات بدأت حالة منفصلة تماماً عن هذا الواقع ويصبح الحديث عن حل الدولتين كلاماً نظرياً يستحيل تنفيذه فقد أصبح الحديث عن القدس يشبه حديث ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي عن حقها في الاستيلاء على باريس قبل أن يتم تحرير فرنسا على يد الحلفاء ولكن لا حلفاء للفلسطينيين الذين لا يمكن تبرئتهم من هذا الواقع منشغلين في صراعاتهم وخلافاتهم بينما الاسرائيلي يرسم  لهم وبهم بهدوء شديد.
لا أحد يتوقع أن تفضي الاندفاعة الأميركية إلى شيء حقيقي ليس فقط بسبب   الانحياز التاريخي ولا أيضاً بسبب الدهاء الاسرائيلي والتخطيط الاستراتيجي الهادئ والمنظم في تلك الدولة بل أيضاً بسبب افتقار الحالة الفلسطينية لأدنى مقومات الصمود وتحقيق الانجاز، فالحالة أصبحت متآكلة والمؤسسات مشلولة والفصائل متناحرة والاسرائيلي يلعب على تلك التناقضات بين الضفة وغزة لإضعاف كل منهما وتهديد كل منهما بالآخر واللافت أنه يجري التنافس على تقديم المرونة لاسرائيل وأمام هذا الواقع الذي يقرأه الاسرائيلي جيداً لنا أن نتصور كيف يفكر وكيف يتصرف.
وفيما اسرائيل تبدو موحدة تماماً خلف مشروعها الذي يشكل نقيضاً للمشروع الوطني الفلسطيني وهذا واحد من أبرز ممكنات قوتها والذي يشكل جداراً حديدياً متيناً أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة من أن تطلب تنازلات، يظهر الفلسطينيون في أكثر مراحل مسيرتهم الطويلة ضعفاً باتت كل ارادتهم  منصبة على التنافس بينهم وباتت ارادة بقاء الحزب السلطة، النظام والحكم توازي الارادة الوطنية وربما تزيد.
المخرجات هي وليدة تراكم المدخلات وابنتها الشرعية فكما أن المدخلات الاسرائيلية للسنوات الماضية التي أجرت منذ انتخاباتنا قبل أكثر من عقد ثلاث انتخابات ضخت مايلزم من حيوية في نظامها السياسي وبقي نظامنا  في حالة من السكون والشلل وبينما أن المدخلات الاسرائيلية هي نتاج تعاون كل مؤسساتها من سياسية ومؤسسة الجيش والأمن ومراكز الدراسات والمؤسسة المالية كانت مدخلاتنا في السنوات الماضية هي حصيلة كل تلك الصراعات التي دمرت كل مؤسساتنا وغيبتها الى درجة كبيرة بل وأيضاً تمددت عبر الاقليم لنعد خسارات في علاقاتنا الاقليمية التي أصبحت جزءا من انقساماتنا.
ما العمل اذن وسط هذا الواقع الذي ينذر بانهيار داخلي يفتح شهية الاسرائيلي والأميركي للضغط على الموقف الفلسطيني الذي يقف وحيداً على المستوى الداخلي وعلى المستوى الاقليمي ؟ صحيح أن الخلافات تتسع وتأخذ طابعاً أكثر اشكالية لكن هذا ليس نهاية المطاف، أمام الفلسطينيين فرصة فلم يفت الزمن بعد، الأمر يحتاج هذه المرة الى ارادة وطنية أعلى كثيراً من ارادة الكفاح ضد اسرائيل يحتاج الى مبادرة وطنية جامعة.. مبادرة انقاذ وطني تعيد بناء النظام السياسي وفقاً للانتخابات.
بامكان الفلسطينيين أن يتفقوا، لا شيء مستحيلا أو أن لا خيار الا التعايش السياسي بينهم والا يجب أن يرحل نصف الشعب ويبقى نصفه واذا ما تمكنوا من ذلك هذا يعني أن يقدموا أنفسهم بمؤسسة جديدة صلبة «قد يعاد انتخاب نفس الأفراد» هذه المؤسسة تقول للعالم هذا ما لدينا وهذا هو قرارانا هذه وحدها كفيلة بإجهاض الضغوط والوقوف بصلابة أمام أية محاولة لتسهيل النيل منا باعتبار أن بيتنا بات يشبه بيت العنكبوت آن الأوان لتفكير وطني مسؤول أكثر..!!!