تسونامي الانهدام العربي

%5E9CCD8554DA391DF16A1F46F3EF279DC7E5280A50B42162C85B%5Epimgpsh_fullsize_distr.jpg
حجم الخط

كتبت جمانة غنيمات

المشهد الإقليمي يزداد تعقيدا. ملفات عديدة مفتوحة على مصراعيها، والتطورات والتحولات متعددة الأوجه، كلها تقول إننا ما نزال بانتظار أيام وربما سنوات صعبة في منطقتنا.
وكلما أمعنا في ماهية الأمر، نراجع ما قلنا حيال توصيف أحوال العرب بأنها وصلت قاعا عميقة من السوء والرداءة، وهي حال، رغم سوئها، إلا أننا نحسب أننا بانتظار مزيد من التراجع والانقسام والتشرذم.
ومع كل عيد نتفاءل بأنه آخر أعياد الحروب والقتل والخراب واللجوء والفقر والبطالة، ونظن أنه آن لشعوب المنطقة أن تضع عنها أوجاعها وهمومها، لكننا وللأسف نصل إلى نتيجة مُرة مفادها أن ثمة ما هو أكثر صعوبة قادما إلينا، وأن الأيام ستكون حبلى بما يزيد من آلام المنطقة وهمومها.
قضيتنا المركزية فلسطين منسية بالكاد يتذكرها العالم، بل وللأسف صارت في ذيل اهتمام المجتمع الدولي واللاعبين الكبار. ويستفيد المحتل من جميع الأزمات التي تعصف بالمنطقة، فيزيد تغولا باحتلاله وقضمه الأراضي وإطباقه الحصار على الناس، فيما العالم يضعها على الرف لتبرز قضايا تشرذمنا أكثر وتنسينا فلسطين ومعاناة أهلها، وسط مجتمع دولي متواطئ وصامت على أطول احتلال في العصر الحديث.
الأزمة السورية، ورغم كل ما يقال عن اقتراب نهاية داعش وأخواتها، ما يزال أمامها مخاض عسير وحرب طويلة، وإن تفاءلنا بحلها، فطريق إعادة البناء مضنية وشاقة.
المشهد بمجمله ينفتح على سوداوية مقيتة، تلوح فيها حرب طائفية، واصطفاف خطير يزيد من الفرقة والاحتراب.
ولو نظرنا إلى البيت الخليجي الذي كان مضرب المثل في الوحدة المتحققة والأمل بتوسيعها، فسنجد أن هذا النموذج عرضة للتفكيك والتصفية.
الواقع الأردني لا ينفصل عن هذا الواقع العربي الصعب، فتبعات الهزات وارتداداتها تصب هنا في أرضه التي نعلم جميعنا أنها جزء من امتداد حفرة الانهدام التي تمر في أخفض نُقطة في هذا البلد، تحديدا في منطقة البحر الميت، وكذلك في العقبة، فالصدع الذي تسببه حفرة الانهدام تسبب بزلازل متعددة على طول عمر هذه المنطقة، وكما للطبوغرافيا من تبعات على جغرافيا الأردن، فكذلك السياسة وزلازلها.
الأردن، ورغم الاستقرار والأمن اللذين يتمتع بهما، ورغم السياسة الحكيمة التي تبناها في مختلف القضايا الملتهبة في المنطقة خلال السنوات الماضية، إلا إنه ليس منفصلا عما يدور حوله، فالتبعات لما يحدث في المنطقة من انتشار الفكر الإرهابي نال حصته منه، وعليه المضي بحربه الفكرية والعسكرية ضده لتحصين نفسه أولا وحماية جغرافيته ومواطنيه ثانيا.
ولزلازل المنطقة ارتداداتها الاقتصادية، فالأردن ومنذ سنوات طويلة يعيش أزمة مالية واقتصادية ضاعف من انعكاساتها المشهد العربي "المجنون"، وعمقت حدتها مآلات الربيع العربي الدموية، ليشهد أكبر موجة لجوء في العصر الحديث، وليكون ثاني أكبر بلد مستضيف للاجئين على مستوى العالم مقارنة بعدد السكان، وعلى أرضه أكبر مخيمات اللجوء.
وسط كل التحولات والتحالفات، نرى الأردن الشعبي مصطفا، كما حال الأنظمة، كل خلف أجندته، ويشهد انقساما شعبيا على عديد ملفات إقليمية، كما لو أنها حدث داخلي. لكن ذلك لا يعفيهم في آخر النهار من مقارنة أحوالهم بغيرهم، ليتذكروا فرحين أنهم تجنبوا الصعب وتجاوزوه، ولم يدفعوا، كما غيرهم من الشعوب، ثمنا كبيرا للربيع الذي ذبل قبل أوانه، وأسال دما كثيرا.
الأردنيون المنقسمون الغاضبون الذين يخوضون نقاشات يومية في جميع الفضاءات المتاحة والجلسات، يمكن لهم، حقا، أن يخاطبوا بعضهم بعبارة "كل عام وأنتم بخير".