مآلات الأزمة الخليجية وصراعات المصالح

thumbgen (10).jpg
حجم الخط

 

عاجلاً أم آجلاً سوف تُفرض نهاية للأزمة الخليجية، وهذه النهاية سوف تكون محصلة مساومات ومصالح وأدوار كل الأطراف، ليس فقط الأطراف الخمسة المباشرة فى الأزمة أى السعودية والإمارات والبحرين ومصر فى مواجهة قطر، ولكن أيضاً الوسطاء، وفى القلب منهم الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الإقليمية الثلاث: إيران وتركيا وإسرائيل. وإذا أردنا التعرف على بعض معالم تلك التسوية علينا أن نقترب أكثر من تفاعلاتها.

لقد عرضت الدول الأربع التى قررت المواجهة مع قطر كل ما لديها من أوراق، أى إغلاق الحدود والمنافذ البحرية والبرية والجوية مع قطر، ولم يعد لديها ما تفعله أو تقوم به من ضغوط جديدة، نظراً لأن الحل العسكرى مستبعد نهائياً ولا تقدر عليه، بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية على أرض قطر تفرض على الأمريكيين الدفاع عن قطر ضد أى اعتداء. وبسبب وجود قاعدة عسكرية تركية على الأراضى القطرية. وللمزيد من التوضيح نقول إنه فى أوج سخونة الأزمة مع قطر لم تتردد الولايات المتحدة فى إجراء مناورات عسكرية بحرية مع قطر قيل إنها «مناورة دورية»، كما سارعت تركيا بنقل قوات إلى قطر ونظمت مناورة عسكرية مشتركة على الأراضى القطرية.

قطر استطاعت الصمود وهى الآن تقول، على لسان وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إنه «لا مفاوضات قبل رفع الحصار»، وقال متحدثاً لصحفيين فى الدوحة «نريد أن نوضح للجميع أن المفاوضات يجب أن تجرى بطريقة حضارية، وأن تقوم على أسس قوية، وليس تحت الضغط أو تحت الحصار». أما السفير القطرى فى واشنطن فقد زاد على ذلك توضيحاً أن قطر انتقلت من مرحلة الصمود أمام الضغوط إلى مرحلة فرض الشروط والمكاشفة مع الآخرين. ففى مقال نشره فى صحيفة «وول ستريت جورنال» قال مشعل بن حمد آل ثانى السفير القطرى فى الولايات المتحدة إن الأزمة المثارة مع بلاده «لا تتعلق بالإرهاب، بل الأمر يتعلق باستقلال قطر، الذى يراه البعض تهديداً لهم» متهماً أبو ظبى بـ «تسهيل غسل الأموال للجماعات الإرهابية». وإلى جانب هذه المواقف لم يعد القطريون متحرجين من علاقاتهم مع إيران بل يجاهرون بها متحدين الأطراف الأخري، وهذا ما حرص على تأكيده وزير الخارجية القطرى بقوله إن «التجارة مع إيران ليست جريمة فى عرف دول مجلس التعاون الخليجي»، وأكد أن «جميع دول الخليج تبغى علاقة جيدة مع الجارة إيران». كاشفاً عن أن الدوحة تحتل المركز الخامس بحجم التجارة مع طهران. هذا كله يعنى أن قطر ستكون طرفاً قوياً فى تحديد معالم التسوية التى ستحدث وأن التسوية لن تكون إملاء أو فرضاً للشروط عليها.

فى ذات الوقت تظهر الأطراف الأخرى أن مصالحها هى بالأساس ما يحدد مواقفها من الأزمة، وأن التسوية التى ستحدث ستكون تعبيراً عن هذه المصالح. فالولايات المتحدة التى تدرك ضخامة مصالحها مع كل الدول الخليجية بما فيها قطر كانت حريصة على أن تمارس «لعبة مزدوجة» تسترضى الرياض من ناحية وترفض إذلال قطر من ناحية أخري.

فالرئيس الأمريكى يكتب على «تويتر» ما يغرى السعودية من أقوال بينما تقوم أركان حكومته خاصة وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس بهندسة التسوية بما يحفظ المصالح الأمريكية مع كل الأطراف ويفاقم من أثمان التسوية بالنسبة للدول الخليجية فى شكل المزيد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، أى مواصلة سياسة «نهب الأموال». فى ذروة الأزمة مع قطر فاجأ جيمس ماتيس الجميع بـ «تصريح موارب» وصف فيه الحصار المفروض على قطر من الدول الخليجية بأنه «وضع معقد للغاية، ومجال يجب التوصل فيه إلى تفاهم»، وأبلغ ماتيس لجنة القوات المسلحة فى مجلس النواب الأمريكى أن أمير قطر «ورث تركة صعبة، وأنه يتحرك فى الاتجاه الصحيح»، وبعد أيام قام ماتيس بالتوقيع مع نظيره القطرى خالد العطية على اتفاق تبيع بموجبه الولايات المتحدة لقطر مقاتلات «إف 15» فى صفقة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، فى حين كان تيلرسون يراجع ويضبط الشروط أو المطالب التى وصلته من الدول الأربع لصياغة معالم التسوية التى سيجرى التفاوض حولها مع قطر. ليس غريباً أن يكون الموقف الأمريكى على هذا النحو، فما قامت به قطر من أدوار تبدو مرفوضة الآن أو مجرَّمة لم تكن خافية على الولايات المتحدة، إن لم تكن بالتنسيق معها.

فى ذات الوقت تسعى تركيا وإيران إلى كسب فوائد من الانحياز لقطر، وفضلاً عن ذلك دعم مشروعاتهما فى المنطقة. وإذا كان وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف قد كشف عن جوهر ما تأمله إيران من الأزمة عندما أعلن أن حل الأزمة يمكن أن يتحقق من خلال «إقامة آلية دائمة للمشاورات والتحادث وحل المنازعات فى منطقتنا» أى استغلال الأزمة لفرض إيران طرفاً معترفاً به إقليمياً فى إدارة شئونها، فإن تركيا التى أقامت قاعدة عسكرية لها فى قطر سعت إلى إقامة قاعدة عسكرية مشابهة فى السعودية رفضها الملك سلمان بن عبد العزيز، وهذه القاعدة العسكرية التركية المقترحة جاءت ضمن مساومة تركية للضغط على حليفها القطري، لكن إسرائيل لم تحد قيد أنملة عن هدفها الإستراتيجى بتوظيف كل من الأزمة الخليجية الراهنة وزيارة الرئيس الأمريكى للرياض لتطبيع العلاقات مع الدول العربية واستبعاد كل ما تعتبره شوائب فلسطينية تعكِّر صفو هذه العلاقات، وهذا ما كشفته بوضوح شديد صحيفة «جيروزاليم بوست» بقولها إن «الإعلان السعودي- الإماراتى المصرى البحرينى لقطع العلاقات مع قطر يتيح لإسرائيل فرصة ذهبية لتغيير موازين القوى فى الشرق الأوسط لمصلحتها» . كذلك فإنه يشجع الدول المشاركة (فى إعلان قطع العلاقات مع قطر) على رؤية «حماس» بوصفها عدواً مشتركاً». لكن الأهم هو ما عرضه وزير الأمن الإسرائيلى أفيجدور ليبرمان الذى تفاءل فى أجواء هذه الأزمة الخليجية بأن «التسوية باتت قريبة»، أى تسوية الأزمة الفلسطينية من خلال قناة التطبيع أولاً مع العرب، لكنه كان حريصاً فى ذات الوقت على أن يؤكد أن هذه الأزمة الخليجية «تؤكد للجميع أن الخطر الحقيقى ليس الصهيونية، بل الإرهاب»، والإرهاب الذى يعنيه هو المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وإيران.

الكل يسعى إلى تحقيق مصالحه والاستثمار فى الأزمة الخليجية.. واقع مؤلم يفرض السؤال عن: وأين مصالح كل هذه الدول العربية المتصارعة؟

عن الاهرام