من حق الرئيس علينا أن نلتمس له العذر فما يراه الرئيس لا يراه عامة الشعب، ومن غير المنطق في شيء أن نطالبه بأن يهمس في أذن كل منا بمقاصده ومخططاته، حتى المقربين منه والدائرة الضيقة المحيطة به لا تؤهلهم مكانتهم تلك أن يطلعوا عما يفكر به الرئيس، المفيد أن ينصرفوا لمعرفة كيف يمكن لهم أن يخففوا من همومه والابتعاد عما يكدره ويغضبه، فالهموم التي تتساقط يومياً من كل فج وميل لتنوء بالشباب أولي القوة فكيف بمن أثقلت السنوات كاهله، ألا نشق عليه حين يناشده مريض بتحويلة مرضية بعد أن عجزت الطواقم الطبية عن فك شفرة مرضه؟، وهل يحق لطالب تفوق في دراسته أن يطالبه بمكرمة تعينه على تحقيق حلمه؟، وكيف نجرؤ على الوقوف ببابه لاعتماد شهيد؟، وكيف نسمح لموظف قطع راتبه أن يغضب عندما يصرخ صغاره من جوع ألم بهم؟، لماذا نطالبه بالتدخل شخصياً طالما أن لدينا قوانين وأنظمة والمسؤول يسهر على انفاذها؟.
كان الله في عون الرئيس، كل منا يلقي بحمله عليه ولا يقوى الكثير منا على الحركة دون أن يتعكز عليه، إن اتخذت الحكومة قراراً من صلب صلاحياتها فهو بتعليمات من الرئيس، وإن تفقد وزير مؤسسة تابعة لوزارته يأتي ذلك بناءاً على توجيهات منه، وإن نظمنا ورشة عمل حول زيادة نسبة الطلاق في مجتمعنا حرصنا أن تكون برعايته، وإن اقتحم خطيب عنوة جدول حفل بحكم المنصب تحدث بتكليف منه ونقل إلى الحضور تحيات سيادته، وإذا طالب مسؤول بصرف بدل مهمة سفر خارجية يقدم لها بالعطف على أمره، وإذا تقاعس مسؤول عن القيام بواجباته فهو ينفذ ارادته، وان سألنا قيادياً عن رأيه استعان بتعليمات وتوجيهات فخامته.
وإن سألنا عضو لجنة تنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية عن طبيعة الاجراءات القاسية المنوي اتخاذها بحق غزة سارع بدرء الشبهة عن نفسه على قاعدة الجهل بالشيء ولا العلم به، وإن حاولنا استكشاف الأمر من وزير بالحكومة سارع بالقول بأنه لا يعرف أكثر مما نعرف وما تتناقله وسائل الاعلام، وإن حالفنا الحظ بالتواصل مع عضو لجنة مركزية لنسأله عن المصوغ القانوني الذي تم الاستناد عليه في وقف رواتب البعض أطلق العنان لأسئلة لا تتوقف حتى يطمئن بأن تعابير المفاجأة التي أصابته وصلت إلينا، وإن قدر لصاحب الراتب المقطوع التواصل عبر وسيط مع ضابط كبير لمعرفة إن كان الراتب تأخر بفعل عطل فني أم مع سبق الاصرار والترصد أتته الاجابة مشفوعة بأغلظ الأيمان أن الضابط الكبير لا علم له ليكتشف لاحقاً أن قائمة المقطوعة رواتبهم ممهورة بتوقيع سعادته بناءاً على رغبة سيادته، وإن أبدى البعض دهشته من الوقت والجهد المستنزف في ملاحقة دحلان وصحبه قيل لهم بأنها مادته المفضلة، وإن سألنا كيف يمكن لنا أن نستعيد الوحدة بين شقي الوطن عبر منع العلاج بالخارج لمرضى يصارعون الموت ومن خلال إحالة الألاف من الموظفين للتقاعد الاجباري المبكر أو بمطالبة حكومة الاحتلال بتقليص كمية الكهرباء إلى غزة أو بالتهديد بممارسة المزيد من الضغوطات وزيادة الخناق على غزة، جاءتك الاجابة من ثلة السحيجة "تكتيك ياجاهل" لتجعلنا نترحم على الفنان عبد الله حداد.
كان الله في عون الرئيس، توسعت مهامه التنفيذية في المنظمة والسلطة والحركة حتى تلاشت مؤسساتها، وارتضى المجلس التشريعي أن يتخلى عن صلاحياته ومسؤولياته وألقى بالتشريع على كاهل الرئيس، فيما السلطة القضائية لم تعد سلطة حين وقع رئيس مجلس القضاء الأعلى على كتاب استقالته قبل أن يتسلم قرار تعيينه، كان الله في عون الرئيس، فهو الناظم لمفردات عملنا من كبيرها حتى صغيرها والوصي الحصري لها، وإن تشبع مجتمعنا بمؤسسات لا حصر لها فهي بحضوره "صم بكم عمي فهم لا يفقهون".
حكايتنا اختصرها الشاب العراقي البسيط "حسين" الذي اراد أن يلتحق بالجيش فمثل أمام لجنة اختبار، فسألته اللجنة إن اتاك العدو من الأمام ما أنت فاعل، أجابهم بأنه سيوجه بندقيته صوبه ويطلق عليه النار، فسألوه وإن اتاك من الخلف فرد عليهم بذات الإجابة، وإن أتاك من اليمين فأعاد عليهم الاجابة ومن الشمال فرد عليهم بذات الاجابة، وإن جاءك من الجو فأجابهم بصوت فيه الكثير من الغضب بأنه سيصوب بندقيته تجاهه ويطلق النار عليه، وعندما سألوه إن اتاك العدو من تحت الأرض ما أنت فاعل، توقف حسين لبرهة ثم قال "شو هالوطن اللي ما فيه غير حسين يدافع عنه"، كان الله بعون الوطن اللي ما فيه غير الرئيس.