في المرة الأولى التي عملنا فيها على توثيق تاريخ الحركة تشاركت أنا والأخ د.حسين أبوشنب في ذلك عند تزاملنا في عضوية لجنة إقليم الكويت.
كان الاسم يتكرر مع كل لقاء بشكل يثير الانتباه، ففي اللقاءات المتكررة مع سليم الزعنون أبوالأديب معتمد الاقليم حينها كان الاسم يتردد بإجلال واحترام شديدين، كرجل مهم كان في الخلية الأولى إلى جانب الاثنين الأشهر بتاريخ ثورتنا العملاقة وهما ابوعمار وابوجهاد.
أكملنا مسيرة التوثيق باللقاء مع عدد من أعضاء اللجنة المركزية آنذاك، أي في ثمانينيات القرن العشرين، فلم تكن الصورة لتكتمل دون المرور عليه سواء من فم العملاق خالد الحسن أو خطيب الثورة صلاح خلف الذي اعترف بأسبقيته حتى انه كان أول من استقبله من على سلم الطائرة حين نزوله إلى الكويت فيأوائل الستينيات.
كان الاسم يتكرر مع الخلية الأولى بالكويت عام ١٩٥٧ أو ١٩٥٨ حتى العام ١٩٦٨ رغم فترة الصراع البين بين أول تيارين في حركة فتح ما بين الانطلاقتين الأولى عام ١٩٦٥ والثانية بعد النكسة عام ١٩٦٧ ولقاء الحركة مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ثم معركة الكرامة وما حصل بينهما من أحداث جسام.
تشاطرت مع الدكتور حسين أبوشنب الرأي بضرورة اللقاء بالرجل، وكان حينها في الكويت وكان من أمر الحدث الجلل أن وقع، وقام الأخ ابوحسام بلقائه لتحديد موعد للتسجيل وكما هي عادته الأثيرة…..لم ينبس الرجل ببنت شفة، فلم يكن من فائدة معلوماتية للقائنا المشترك معه، لقد تحصن بالصمت والحب.
الأخ عادل عبدالكريم احد أهم الرموز التي أسهمت في نشأة حركة فتح، وهي الحركة التي جعل منها ياسر عرفات حقيقة واقعة ذات قدمين، هو وإخوانه، إلا انه يُنسب لعادل عبدالكريم عفة الخلق والميل للإعداد المسبق والجيد صنو التريث والرغبة بالنجاح مربوطة بالامكانيات وتوفير السبل والوسائل، ما كان مخالفا لطريقة تفكير التيار الغالب حينها الذي قاده ياسر عرفات وخليل الوزير وخالد الحسن ومحمود عباس و صلاح خلف وأبوالهول وأبوصبري صيدم وأبوماهر غنيم وأبوالاديب الزعنون والعديد من المؤسسين.
كنت أتمنى لقاء هذا الرجل المؤسس ، هذا الرجل العفيف، الذي حين كان الاختلاف الشهير بشأن الانطلاقة لحركة فتح، وعندما لم يفز تياره المتريث أو كما أسميناه بالحركة (تيار العقلاء) لم ينزعج ولم ينشق أو يتقافز كالبهلوان بالهواء.
لقد فاز تيار المجانين بقيادة ياسر عرفات وأبوجهاد وأبومازن وأبوماهر واخوانهم على تيار العقلاء بقيادة عادل عبدالكريم ومجموعته، فسارت كل منهما إلى قدرها بالتراضي.
استطاع ياسر عرفات أن يضع للحركة خطا عمليا (مجنونا) ما زال يميزها حتى الآن، وفيه من كم المبادرات والانحياز للعمل الكثير مقدما على المحاذير، والتنظيرات التي اشتهرت بها الفصائل الأخرى ما جعل أبناء حركة فتح يمثلون مدرسة تشتعل بالأفكار الابداعية ومركبات الابتكار، وبالنفس النضالي الذي لا يهدأ فترة إلا ليعود ثانية أكثر اشتعالا وأكبر مضاء
دعني أقول أن تيار العقلاء في حركة فتح لم ينقطع حبله السري مع انسحاب عادل عبدالكريم اللطيف، فكان خالد الحسن وهاني الحسن وكمال عدوان وماجد أبوشرار وصخر حبش وصخر بسيسو وعثمانأبوغربية ما نتمنى ونسعى أن نكون على خطاه.
لذلك ورغم خروج عادل عبدالكريم الهادئ والمتزن من الحركة إلا أن طريقة التفكير ونهج الفعل الذي يؤمن بالتخطيط والتفكير وإعداد العدة الفكرية والعملية ظل موجودا في حالة توازن وأحيانا شد وجذب داخل فتح التي شرفت بكل هؤلاء كما شرفت بتعددية مناهج التفكير ومدارس النضال.
عادل عبدالكريم لم يكن رقما يسهل المرور عليه فلقد كان يملك عقلا رياضيا مبهرا، ويملك احترام إخوانهوعلى رأسهم الذي كان في فوهة المدفع بالاختلاف أي أبوعمار، وكان لشخصيته المتواضعة أن امتلك المحبة من زملائه حتى إبان الاختلاف الكبير وحتى اليوم الذي نودعه فيه بكل ود ومحبة جعلت من الرئيس أبومازن ينعاه بكل أكاليل الغار، فهذه هي فتح الوفاء.
رجحت كفة المجانين فقاموا بالانطلاقة ليُسمعوا بالدوي الصغير في نفق عيلبون أسماع الأمة أن هناك شعب ينهد نحو التحرر، وأصبح الدوي الخفيف صاخبا بعد الهزيمة العربية الثانية النكراء في العام ١٩٦٧ لتقوم حركة فتح وتثبت وكما هي عادتها حتى اليوم قدرتها على الامساك بزمام القيادة وتصبح هي أم الثورة وملك لكل الشعب إلا من أبى! فهي أم الولد وصانعة الكيانية والوحدة الوطنية.
عادل عبدالكريم أسهم في الأدبيات الحركية الأولي، وكان في الصف القيادي بمرحلة معقدة، اذ تجتمع مجموعة من الشباب في ظل أمة عربية منتكسة لتقول لأكبر استعمار بالتاريخ الحديث: لا، هذه فلسطيننا ونحن هنا.
ويذكر في أدبيات الحركة انه بعد معركة الكرامة قدم عادل عبدالكريم من الكويت وزار اخوانه بالأردن، واطمأن على أن الفكرة أصبحت واقعا،وبأيدي أمينة، لكنه قدر ان لا قدرة له على الاستمرار فودع اخوانه وظل علي ولائه للفكرة وحسن الذكريات معهم بلا تعريض أو تشتيم او تشويه كما نرى اليوم حينما يختلف اثنان او تياران أو فصيلان.
من أمثال ياسر عرفات وابوجهاد وخالد الحسن وعادل عبدالكريم وأبومازن وأبواياد وأبوماهر وابوالاديب تعلمنا ان نناقش ولا نهاب، وتعلمنا فن الحوار، وتعلمنا الديمقراطية حوار والتزام، نقد وانتماء، وتعلمنا مفهوم الأنفاس المحترقة في سبيل القضية بمعنى التضحية بالذات مقابل المجموع.
لم يكن لمثل هذه العقلية أن تقبل (عقلية الوظيفة) التي هي اليوم على تضاد كامل مع (عقلية النضالية والثورية) لأي شخص أو كادر حركي بغض النظر عن موقعه المهني أو الحركي.
عادل عبدالكريم بيرق حركة فتح الناصع البياض، الذي صرفنا وقتا كبيرا في محاولة أن نجعله يدلو بدلوه في سبب الابتعاد أو حقيقة الاختلاف ولم نفلح لتحاشيه الخوض فيما يعكر أو يسيء أو يفهم خطآ حسب ما رأى لم يكن ليغيب عن الكتاب الأهم الذي أعده اللواء محمود الناطور بمشاركتنا وعشرات الإخوة تحت عنوان (حركة فتح من الانطلاقة إلى الاغتيالات) فهو علامة بارزة ونموذج نضالي وفكر علمي لا يُستهان به، ورغم ابتعاده من زمن مضى إلا أن سيرته العطرة واسبقيته وموقفه الرجولي ظل مضرب المثل لدينا حني وفاته رحمه الله وأدخله فسيح جنانه.