لم تُشر المطالب السعودية – الإماراتية- البحرينية- المصرية من قطر، إلى حركة "حماس"، كشرط للعودة لتطبيع العلاقات معها، والأهم من ذلك أنّ التعاون المصري- الحمساوي وصل درجة تزويد القاهرة "حماس" بمعدات وأجهزة لحماية الحدود، هذا فضلاً عن رعاية تقارب "حماس" مع المسؤول السابق في حركة "فتح" محمد دحلان ومجموعته، والواقع أنّ هذا الأمر لا يشير إلى تغيير عميق في الموقف من حركة "حماس"، بقدر ما يشير لتغيرات داخل حركة "حماس"، وإلى هيمنة عقلية "إدارة الأزمة" الفلسطينية، بدلا من السعي لحل شامل.
رغم أنّ علاقة "حماس" جذرية وعضوية مع الإخوان المسلمين، إلا أنّ هناك تمييزا دائما، بشأن الموقف من الحركة وباقي الإخوان المسلمين، وهذا لا ينبع فقط من خصوصية القضية الفلسطينية، وحسب، بل ربما الأهم من حسابات سياسية، تجعل الإخوان المسلمين في كثير من الأحوال لا يبدون شيئاً واحداً. ويمكن الإشارة لمثالين على ذلك، أولهما أنّ الإخوان المسلمين العراقيين كان لهم موقف ضد حكم صدام حسين في العراق، وتحالفوا ضده مع القوى المختلفة بما في ذلك مع الطرف الأميركي، فيما كان باقي الإخوان المسلمين خاصة في الأردن ومصر، يتبنون موقفاً أقرب إليه، وضد استهداف نظامه، خصوصا في حربي 1990 و2003. والمثال الثاني، يتعلق بحركة "حماس"، فعندما حدث التباين الكبير بين منظمة التحرير الفلسطينية، ودول الخليج العربية، على خلفية احتلال القوات العراقية للكويت العام 1990، انفتحت تلك الدول على "حماس" وقدمت مساعدات لها. ولم تنقطع علاقات "حماس"، على شكل اتصالات ولقاءات وعلى أعلى المستوى، مع كل من السعودية والإمارات.
كانت تصريحات عادل الجبير، وزير خارجية السعودية، في باريس، في السادس من الشهر الفائت، بخصوص ضرورة وقف قطر دعمها للإخوان المسلمين وحماس، هي التي قدمت رسالة جعلت البعض يرى أنّ "حماس" جزءٌ من الأزمة. والواقع أنّ تلك التصريحات جاءت في سياق لقاء صحافي، لا يبدو مدروسا جيداً، هذا من جهة ومن جهة ثانية، ربما في سياق حالة الاستقطاب الخليجي – الخليجي، ومحاولة حشد التأييد الغربي لموقف كل طرف في الأزمة، في وقت كان واضحاً أنّ اللوبيات الإسرائيلية الأميركية، القوية إعلاميا وسياسيا، تسعى لاستغلال الأزمة الخليجية لتوجيه ضربة للفلسطينيين بما فيها "حماس".
بالتوازي مع سخونة المستوى الخليجي – الخليجي في الأزمة الراهنة، كانت هناك عملية "تبريد" وإعادة تموضع في العلاقات بين "حماس" ومصر، وفي كل وضع قطاع غزة، بالانفتاح على "حماس" والاستمرار في دعم محمد دحلان، الذي أخرجته حركة "فتح" من أطرها. وتتضح يومياً شبه رزمة تفاهمات بين مصر و"حماس"، من ضمنها إعلان مصر تزويد "حماس" بمعدات ثقيلة، وكاميرات، وأسلاك شائكة لإعادة ترتيب الحدود بين مصر والقطاع، وبدء عودة أنصار دحلان لغزة، وبدء المساعدة في تزويد القطاع بالكهرباء، وأمور أخرى عدا ذلك تتضح يوميا، دون أي تنسيق مع الرئيس الفلسطيني. بل ويمكن الآن النظر إلى إعلام الفريقين الخليجيين، وخصوصا (السعودي – الإماراتي) من جهة، والقطري من جهة ثانية، لملاحظة التغطيات الإيجابية من الفريق الأول للترتيبات الجديدة في غزة، وشبه النقد أو التساؤل والشكوك في الإعلام القطري بشأن تفاهمات حماس- مصر- دحلان.
هناك أربعة عوامل أساسية تفسر ما يحدث، الأول براغماتية "حماس" المتجلية في سياساتها ووثيقتها الأخيرة؛ من الاقتراب من مطالب عربية ودولية بتقليص أو فك الارتباط التنظيمي مع الإخوان المسلمين والتعاطي مع الحلول السياسية للصراع. والثاني، تركيز "حماس" على إدارة الأزمة الراهنة، ونسيان الماضي (مع دحلان وغيره) مع تجاهل معنى هذا وموقف "حلفائها" الجدد من الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ومن أن ما يحدث بدءا من الوثيقة إلى الترتيبات الجديدة يعني إدخال "حماس" للعبة السياسية الدولية وللحلول السلمية، التي بررت وجودها ومعارضتها لمنظمة التحرير الفلسطينية سابقًا برفضها. وثالثا، قدرة "حماس" الدائمة على فك تحالفاتها وعلاقاتها وإعادة تركيبها؛ أو القدرة على الجمع بينها؛ من سورية، إلى قطر، إلى حلفاء جدد الآن. ورابعاً، أن القيادات السياسية والعسكرية والميدانية لحماس، موجودة الآن إلى حد كبير في قطاع غزة، (بعيداً عن الدوحة).
عن الغد الاردنية