أمس بدأت الانتخابات التمهيدية لحزب العمل في إسرائيل ونافس عليها رئيس الحزب الحالي اسحق هرتسوغ وكل من وزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الحزب السابق وافي غباي وعومر بارليف وأريئيل مرغريت.
وقد تكون النتيجة صدرت قبل نشر هذا المقال. وحسب استطلاعات الرأي هناك تقدم طفيف لبيرتس. وبغض النظر عن الفائز، سيواجه الرئيس القادم مشكلات جدية وتحديات جمة يتمثل أبرزها في تقديم بديل حقيقي لليمين المهيمن.
في الانتخابات الأخيرة بلغت شعبية حزب العمل في الكنيست الحالية في انتخابات العام 2015: 19 عضوا من اصل 24 عضوا حصل عليها المعسكر الصهيوني. ومنذ تلك الانتخابات وحتى اليوم هناك انخفاض حاد في شعبية حزب العمل في استطلاعات الرأي التي أجريت في إسرائيل وذلك بسبب شخصية رئيس الحزب هرتسوغ، الذي بدا كشخصية ضعيفة وكان همه الرئيس البحث عن مقعد في الحكومة، ما خلق له مشاكل حتى داخل حزبه.
لم يستطع حزب العمل أن يقود معارضة حقيقية لحكومة اليمين المتطرف التي يقودها حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو. وفي ظل هيمنة اليمين المطلقة على النظام السياسي في إسرائيل، وعلى الخطاب السياسي والإعلامي وقدرته على أحداث تغييرات جوهرية في طبيعة الحكم باتجاه أكثر عنصرية وتطرفا في مجال القوانين التي تم تشريعها في الكنيست وفي السيطرة على الإعلام الرسمي وقسم من الإعلام الخاص، والتغييرات التي تم إحداثها في قانون سلطة البث التابعة للدولة، وإجراء التعديلات في تركيبة محكمة العدل العليا، كان أداء المعارضة ضعيفا للغاية وكان هم هرتسوغ أن يبدو أقرب إلى الوسط واليمين من أن يشكل معارضة يسارية واضحة وذلك في إطار الاعتقاد أنه كلما أبدى مواقف أكثر قربا من اليمين فانه يستطيع الحصول على حصة من دعم اليمين والوسط.
ومن أمثلة المواقف اليمينية التي اعتمدها هرتسوغ قبل وبعد الانتخابات حديثه عن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل، والتشكيك في قدرة ومواقف القيادة الفلسطينية.
وهو بذلك شكل "ليكود" ب. وكانت النتيجة أن حزب العمل خسر الكثير من شعبيته. وكل الأوساط التي رأت فيه بديلا خاب أملها وتراجعت مشاركتها في النشاطات السياسية وبعضها اتجه أكثر نحو اليمين.
لقد كانت الاستراتيجية التي اعتمدت في حزب العمل في الجولتين الانتخابيتين الأخيرتين هي إهمال الموضوع السياسي والتركيز على قضايا اقتصادية - اجتماعية أكثر.
ولم يحاول العمل إظهار فروق جدية في الموضوع السياسي مع الاتجاهات اليمينية والمتطرفة.
وكان خطاب اليمين أكثر وضوحا وصرامة إلى درجة أن المواطنين الإسرائيليين اعتقدوا أن اليمين يملك الحل ويملك الرؤية في التعامل مع الموضوع السياسي الذي تم تغليفه غالبا بالأمن.
وعندما لا تكون البدائل واضحة وحازمة وصارمة تميل الجماهير إلى الخطاب الأكثر صخبا وأكثر قوة.
لا تبدو معالم السياسة القادمة لحزب العمل واضحة بعد الانتخابات التمهيدية، ولكن أبرز ما ظهر في التحضير للانتخابات التمهيدية خروج أصوات في حزب العمل تؤكد ضرورة انحياز الحزب ليساريته وإظهار الفرق الواضح بين سياسة الحزب وسياسة الحكومة ومعسكر اليمين.
وإذا ما تم تبني هذا الخط في حال فوز شخصية مثل بيرتس برئاسة الحزب فيمكن للحزب أن يستعيد جزءا واضحا من شعبيته وقاعدته في أوساط الجمهور الإسرائيلي. مع أن هذه المسألة تحتاج لجهود كبيرة بسبب التغير في مزاج الرأي العام الإسرائيلي وتأثر قطاعات واسعة منه بخطاب اليمين العنصري المتطرف، وأيضا بسبب ضعف الطرف الفلسطيني وعدم شعور الاسرائيليين بثمن استمرار الاحتلال وممارساته في المناطق الفلسطينية المحتلة.
يضاف إلى ذلك التطور الاقتصادي الكبير الذي تشهده إسرائيل في السنوات الأخيرة. بحيث لا يشعر الجمهور الإسرائيلي بالحاجة للانفضاض عن اليمين وتبني خطاب ومواقف مناقضة لموقف الحكومة.
ربما لو استطاع حزب العمل أن يركز على قضيتين بارزتين هما الموقف من الصراع وأهمية التوصل إلى تسوية سياسية على أساس حل الدولتين بناء على خطوط العام 1967 والمبادرة العربية للسلام التي تمنح إسرائيل أفضلية كبيرة في الحصول على الأمن وعلاقات طبيعية مع العالم العربي تضمن لإسرائيل الاستفادة القصوى من تطورها الاقتصادي ومن هكذا علاقات وتحقق لها ما كانت تحلم به منذ نشوئها.
والثانية هي التحول القمعي داخل المؤسسة الحاكمة تجاه الذين يختلفون مع سياساتها ومواقفها والذي بدأ يظهر في الصراع مع الإعلام والثقافة ومؤسسات حقوق الإنسان وكلها من وجهة نظر الحكومة تعتبر يسارية تجب محاربتها على قاعدة "من ليس معي هو عدوي".
ولو استطاع حزب العمل أن يظهر انحيازه الأكثر لمصالح إسرائيل السياسية والأمنية والاقتصادية والحفاظ على قيم التعددية والديموقراطية والانحياز لحقوق الإنسان فيمكنه بذلك أن يظهر كبديل حقيقي مخالف للبديل الذي يمثله اليمين، ويمكنه أن يقود معارضة يسارية من الوسط يساراً تشمل حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني المتحالفة مع "العمل" وحركة "ميرتس" التي تمثل المعارضة اليسارية الصهيونية والقائمة المشتركة التي تضم أعضاء الكنيست العرب.
وهذه يمكنها جذب أصوات وجماهير كثيرة، وقد يحدث هذا التطور إذا ما حصل الانقلاب على اليمين وإنقاذ الوضع برمته.