بعد يومين، وخلال يومين تعقد "مجموعة العشرين" قمتها الدورية في هامبورغ الألمانية، وقد جرت العادة أن يتابع العالم، بجنوبه وشماله، وأغنيائه وفقرائه على حد سواء أعمال مثل هذه القمم لما لها من تأثيرات مباشرة على سياسات العالم ككل، وهي القمم التي تترجم من الناحية العملية، من أن السياسة عموماً ما هي إلاّ اقتصاد مكثف، ذلك أن رسم الخارطة السياسية للعالم من خلال هذه القمم، ما هي إلاّ ترجمة لحدود مصالح الدول والتحالفات والاستقطابات على صعيد الخارطة الدولية.
هكذا كان الحال دائماً عندما تعقد "قمة العشرين" مؤتمرها الدوري، إلاّ أن هذه المرة، الوضع بات مختلفاً، لم يعد العالم كيف ما كان في الماضي، هناك اختراق كبير "للاستقرار" الذي كانت تنعم به دول هذه المجموعة وما يحيط بها من سياسات، وصول الرئيس الأميركي "ترامب" إلى البيت الأبيض، لم يغير أميركا فحسب، بل غير العالم، على الأقل من وجهة نظر عدد من قادة العالم والمتابعين السياسيين، لذلك فهذه قمة مختلفة بكل المقاييس، وستخضع بالتأكيد ليس فقط لما تمثله الولايات المتحدة من قوة اقتصادية وسياسية هائلة على صعيد العالم، ولكن ستخضع هذه المرة للسياسات المرتبكة والغامضة والتي لا يمكن توقعها لرئيسها دونالد ترامب!!
مشكلة قرارات قمة العشرين أنها تخضع لنظام الاجماع، لذلك هناك شكوك قوية على أن يتم إقرار أي من القرارات الصعبة والشائكة التي ستناقشها القمة، وذلك على غرار انفراد الولايات المتحدة في عدم المصادقة على القرارات المتعلقة باتفاق باريس للمناخ، لكن في القمة المذكورة كان بالإمكان ترك الولايات المتحدة تتخذ قراراتها من دون أن يؤثر ذلك على قرارات الدول الأخرى، خرجت أميركا من قمة المناخ، بدون أن تفقد هذه القمة التزامات الدول الأخرى بها، لكن الوضع هنا في قمة العشرين مختلف، إذ أن القرارات تؤخذ بإجماع الدول المشاركة بها، لذلك فإن الاتفاقات الثنائية هي التي ستحظى بالأهمية لتخطي شذوذ الموقف الأميركي عن الإجماع!
هناك صعوبة كبيرة في إقناع "ترامب" بتخلّيه عن سياسة "المجال التجاري" الذي أخذ يتبناه على حساب علاقات أميركا الخاصة مع الاتحاد الأوروبي، تبني إدارة ترامب سياسة "الحمائية" الاقتصادية ووضع المزيد من القيود على حرية التجارة الدولية من خلال سلم رسوم جمركية لا يسمح بحرية الاستيراد والتصدير، تزيد من الشكوك حول التوصل إلى بيان ختامي متفق عليه بالإجماع، وعلى الأرجح فإن القاسم المشترك الوحيد ـ ربما ـ الذي يمكن الالتقاء من حوله بالإجماع، هو "الحرب على الإرهاب" وحتى هذا "المشترك" ستظل هناك خلافات حول هذا المصطلح بشكل عام، إلاّ أنه سيشكل جوهر البيان الختامي الذي سيخفي عورة وخلافات معظم دول المجموعة مع الولايات المتحدة برئاسة "ترامب"!
ما هو مختلف هذه المرة، ايضاً، أن الولايات المتحدة، كانت تعتمد في ظل الإدارات السابقة على بريطانيا من أجل إحباط توافقات الدول الصناعية التي تخالف مصالح واشنطن، سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو مجموعة العشرين، هذه المرة، بريطانيا خارج اللعبة بعد مفاوضاتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، وللمناسبة، فإن بريطانيا ونتيجة لذلك، ولانشغالها بالمفاوضات المتعلقة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وضعف قيادتها ورئيسة حكومتها "ماي" فإنها بالكاد تستطيع أن تلعب أي دور للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، أو على الأقل فإن مثل هذا التأييد للسياسة الأميركية لن يكون له كبير وزن، وتأثير على ساحة السياسة الدولية.
الانقسامات التي أحدثها ترامب على السياسة الدولية، حلف الأطلسي واتفاقية باريس حول المناخ، ربما لا تخفي الانقسامات في الداخل الأميركي حول ترامب وسياساته الداخلية على وجه الخصوص، وقد قيل إن هذه الانقسامات ما هي إلاّ تعبير عن التفكك الداخلي، وهو الأمر الذي أوصل ترامب إلى البيت الأبيض، إلاّ أن هذا الأخير نجح أكثر من أي رئيس أميركي آخر، في تعزيز هذه الانقسامات حتى في إطار الحزب الجمهوري الذي يقوده، إلاّ أن مرض هذا الانقسام الداخلي الأميركي، امتد إلى الخارج وبحيث بات وصول ترامب إلى البيت الأبيض، المؤشر الأشد وضوحاً على ما يشهده العالم الغربي، خصوصاً من انقسامات لها تأثيراتها المباشرة على الخارطة السياسية للعالم كله!
أميركا وبريطانيا تشنان غارات جوية على عدة مواقع في اليمن
17 أكتوبر 2024