غاب صدام وبن لادن وحضر كيم جونغ أون وحينما تهاجم «العربية» «الجزيرة»

التقاط.JPG
حجم الخط

 

لا يوجد شعب بلا أساطير، حتى شعب يأجوج ومأجوج ما وراء المجال الفضائي، له خرافاته، وموروثه الحكائي، وسجله المخيالي، وقد تلتقي المذاقات أو النكهات بما يشبهها في ثقافات أمم أخرى، حتى لتبدو كوريا الشمالية قبيلة عربية، هجرتها الخيول «فربطت عالكلاب سروج»!

خروف عربي صنع في كوريا

لو أنك تابعت النشرة الإخبارية أمس الثلاثاء على قناة «آي تي في» الإنكليزية، لأحسست بالدم الكوري الحار يخضخض عروقك العربية، حتى لتصرخ بالمذيع: بلاد العرب أوطاني من مخدع إيفانكا البدوي إلى مطبخ ليبرمان، الذي يعيد ابتكار «المسكوف» العراقي على الطريقة الكردية، مرورا بصاروخ الحسين الكوري، وصولا إلى مسرحية شكسبير «هنري الرابع»، التي استعان بها نيك باتلر في مقالته المنشورة في «الفايننشال تايمز»، مخاطبا ولي العهد السعودي: «القلق المستمر يكمن في الرأس التي ترتدي تاجا»!
المذيع البريطاني، قال بحسم: «كوريا الشمالية لم تعد تشكل خطرا على جيرانها وحسب، إنما أصبحت مصدرا للقلق والرعب حول العالم، بعد تصنيع الصواريخ العابرة للقارات، والتي يصل مداها إلى 3500 ميل على الأقل، وبمقدورها ضرب «آلاسكا»! في حين كان فريق النشرة يغمز له من وراء الكاميرا: هللويا، كيم جونغ أون العنيد، خروف عربي جديد!
الميديا الغربية لن ترحم كونغ، ما دامت تسري في عروق صواريخه دماء دجلة والفرات، ولذلك تحديدا لن تحتاج إلى صياغة سيناريو جديد بتكلفة وجهد كبيرين، ما دامت الخطط معدة سلفا ومجربة مسبقا في بلاد النهرين، ولن يتطلب الأمر سوى استبدال علم العراق بكوريا وصورة صدام بكيم، مع مراعاة الاختلاف في تسريحة الشعر، والشعارات الطائفية بين الديانات الشمانية والكونفوشيوسية والبوذية اللازمة لعيد النحر… فاستعد أيها العالم، خروف «مودرن» يمارس حلاقة ذاتية تحسبا من شفرة غادرة، يساق إلى المقصلة، وحفلات الإحماء التي تسبق مهرجان الدم، على أشدها، وأنت تنتظر كعادتك، لتتفرج على عرض ناري متطور، يشارك به سكان الفضاء السريون، الذين لا يظهرون لك على الشاشات، إنما يديرون عجلة القيامة من وراء ستائر جهنم، التي تشف ولا تصف كبرقع ميلانيا ترامب… فسجل أيها التاريخ، أنا كوري، أصبح عندي الآن صاروخ ومزرعة خرفان!

العرب خارج قائمة المجانين الألكترونية

هل تصدق أيها المشاهد، أن الشعوب التي تقتل أبطالها من العجم والعرب أو التي تأكل آلهتها، كأمة أبي لهب، هي ذاتها التي تحولهم إلى أساطير مقدسة، وخرافات مسكونة بالغوايات والخيالات اللاهبة، التي تتقلب من حقبة إلى أخرى، حسب المزاج السياسي، ولذلك تتحلى بالمرونة الفضفاضة لتستوعب الشرط الزمني، دون أن تفلت من القبضة الأمنية، التي أدت إلى نشوء حركة مكافحة الخرافات في كوريا، منتصف القرن الفائت، قبل أن تعود وتنتعش على يد مجانين جدد، يقتحمون المشهد بطقوس غرائبية، مثيرة للدهشة والسخرية والرعب أيضا. 
القوائم الغربية التي تنتشر في المواقع الالكترونية الإحصائية، لا تضم بين جنباتها أي مجنون عربي، ولا حتى صدام ولا بن لادن ولا البغدادي، فحتى الجنون الذي يخلد عظماءه، استرخصوه فينا، وقد لا يظهر إسم عربي مميز في أية قائمة سوى في قائمة الحمق والسخرية التي يتصدرها: السادات… يا للهول، الله يرحم المطلوب رقم واحد، فحتى قائمة الأرهاب التي كان بن لادن يتصدرها، غيرت استراتيجيتها، فاستبدلت الأشخاص بالأمم، ووضعت العرب والمسلمين في قائمة الخلايا العضلية، التي سرعان ما يتم إفراغها من التدفق الدموي قبل أن تدرك الذروة… ما يدلك على تحقير الفحولة العربية، وإرجاعها إلى حالات التضخم التاريخي، الذي قوبل بقوة ردع وترويض حضارية غربية، كما تقرأ في كتب المستشرقين!
في المخيلة اليونانية، يبدو ميثراداتس، الذي قتل أبناءه وأمه وأقرب أعوانه، نموذجا رومانسيا حالما، وصل إلى آسيا الصغرى بفتوحاته البطولية، وأخضع من أخضع من أبناء الذئاب في الأناضول إلى مصارعي « زيوس» في أولمب الرومان، وقهر السم بالسحر، والموت بالميت، وهو ما خلده في قائمة العظماء المجانين.
دعك من هتلر، ضعه جانبا، فإنه يكاد يكون في ثقافة الحقد العنصري عند الغرب، عربيا بحتا، واقفز بباراشوت الكتروني فوق العرش البريطاني، لتدخل إلى متحف هنري الثامن، الملك المزواج، الذي أعدم زوجاته، وفتك بمعارضيه، والذي تحتفل بريطانيا العظمى بذكرى رحيله كل عام، كبطل تاريخي وكمؤسس للجيش، وزعيم للتيار القومي الوطني، ومؤسس البحرية الملكية والنظام الدفاعي الساحلي، الكاثوليكي الذي صهر السياسة بالدين، وقد اعتبر الكثير من المثقفين البريطانيين دراسة منهجه مدخلا مهما لفهم التطرف الإسلامي، حسب تعبيرهم، ولكنه رغم ذلك شخصية مثيرة للجدل، فقد برع بمراوغة التاريخ حين أوجد فن الدعاية، ليكون ملكا فوق العادة… فهل كان هنري عربيا يا ترى؟ 
هذا الملك الشهواني المستبد الشكاك، الذي أباد ما يفوق سبعة آلاف فقط بتهمة «إن بعض الظن إثم، هو أسطورة التاج البريطاني الأعظم، فهل بعد هذا ستصفق لـ»آي تي في» وهي تتلو النبأ العظيم: كيم جونغ أون، ليس زعيما كاريكاتوريا ولا متمردا، إنما هو أضحية إعلامية مثيرة، تستحق أن تدخل في قائمة خرفان العيد، أو أفضل العبيد!

«العربية» تهاجم «الجزيرة»!

لم يدع أو يطالب عبد الرحمن الراشد باسم قناة «العربية» بإغلاق «الجزيرة»، إنما اتهمها بالتحريض، ورفع الشعارات الإرهابية، وتهديد أمن مصر بنشرات دعائية، وهو أمر وارد بين الشخصيات أو المنابر الإعلامية، سواء كان مرده المنافسه الفضائية أو تعارض المصالح أو جهة التمويل أو توجهها، أما دعوة ياسر أبو هلالة له بالمثول ضيفا على «الجزيرة»، فهو غير مستغرب على قناة اعتادت أن تضم كل الآراء في كنفها دون وجل أو زيف، وأما مداخلة فيصل القاسم بإمضاء مجازي باسم «مطحاش بن شرقوب الزنقوحي الرابع عشر» بكل ما تحمله من أبعاد رمزية ودلالات تهكمية لاذعة، فهي تعيدك إلى كل ما أسلفته في هذه المقالة عن قائمة الغرائب في التاريخ! 
لم يبق لك أيها المشاهد الزمبركي، سوى أن تنط فرحا، بهذه المراجدة الإعلامية الحرة، لكبار القامات العربية التي أثرت المشهد الإعلامي العربي، ووضعته على قائمة كبريات الفضائيات العالمية، لتتحدى كل القوائم المتعجرفة التي استثنت العرب من احصائياتها للاستثناءات المتميزة، فـ «الجزيرة» أولا ثم «العربية» وحدهما استطاعتا اختراق هذا الحاجز الفضائي العنصري، اختلفنا معهما أم اتفقنا، وليس علينا أن ننكر عليهما دورهما في تحرير مخالفات سير للشوارع العربية، ونقل الربيع من الشارع الى ملحمة «جلجامش» الإعلامية!
ولأن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا، ندعو الله أن ينير للأمة إعلامها، فالأمة ضلع أعوج والإعلام فحل هائج، وقد جاء في الأمثال ما جاء عن حطب العمياء، فلا يكون حالكم كمن حمتهم أمهم ليأكلهم أبوهم، لتجتمع عليكم النوائب، فلا تستطيعون إعانة أنفسكم قبل أشقائكم، حينها سيصدق المثل الخليجي حين قال: برد وحكة وقل ظفور، وسلامتكم!

عن القدس العربي