قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله: "إننا نريد لطلبة وخريجي فلسطين، أن يكونوا جزءا من مشروع النهوض بالوطن وبمؤسساته، وتسليح الإنسان الفلسطيني بقيم المواطنة والانتماء، وبالديمقراطية والحرية وبالعدالة وبمبادئ حقوق الإنسان، فالفكر الخلاق والإبداع لا يمكن أن ينمو أو ينهض أو ينجح إلا في بيئة ديمقراطية متوازنة ومنفتحة، بعيدا عن العصبية والانغلاق والتهميش".
جاء ذلك خلال كلمته في حفل تخريج الفوج السابع والثلاثين من جامعة النجاح في نابلس، اليوم الخميس، بحضور رئيس مجلس أمناء جامعة النجاح صبيح المصري وأعضاء المجلس، والقائم بأعمال رئيس الجامعة د. ماهر النتشة، وأعضاء الهيئة التدريسية والإدارية، ومحافظ محافظة نابلس اللواء أكرم الرجوب، وعدد من الوزراء والمسؤولين والشخصيات الاعتبارية.
وأضاف الحمد الله: لقد تركزت أجندة عمل الحكومة، على "المواطن أولا"، وعلى سبل تحقيق تطوره ونمائه وإعمال حقوقه، وتركزت أولويات التدخل الحكومي في كل شبر من أرضنا على تعزيز صمودها وصون أمنها ورفدها بالخدمات الأساسية، خاصة التعليمية والصحية. إن الرافعة الأساسية لتحقيق ذلك كله، هو المعرفة والبحث العلمي، والارتقاء بجودة ونوعية التعليم، وبتفعيل الشراكات مع مؤسسات التعليم في العالم، كل ذلك كفيل بتطوير وتنمية مجتمعنا، وإن تمكين طلبتنا هو الطريق لنيل استقلالنا، وتعزيز قوتنا ومنعتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، وفي ظل ما يجتاح عالمنا العربي من أزمات متلاحقة، فإن مؤسسات التعليم، خاصة الجامعات، فرصتنا ورهاننا، لتبقى مؤسسات رائدة منتجة وفعالة، حاضنة للريادة والابتكار والحوار، تساهم في تمكين الإنسان الفلسطيني القادر على المشاركة في إنتاج المعرفة، وتجسيد قضيته وهويته، ووضع خبراته وإمكانياته في خدمة وبناء وطنه.
وتابع: "إنه لفرح كبير، أن أقف بينكم في رحاب جامعة النجاح الوطنية، لتخريج فوج جديد من طلبتها المميزين، أتقدم بخالص التهنئة لجميع الخريجات والخريجين بنجاحهم وتفوقهم، وأنقل لكم تهاني فخامة الأخ الرئيس محمود عباس واعتزازه بكم جميعا. فأنتم استثمار فلسطين الأساسي وثروتها الوطنية والاستراتيجية التي يراهن ويعول عليها شعبنا.
وقال: تنتزعون اليوم مساحة جميلة من الفرح والسرور، في خضم المعاناة والألم الذي يعيشه أبناء شعبنا وهم يتصدون للاحتلال الإسرائيلي، وهو يطوق مدنهم وبلداتهم وقراهم، ويصادر أرضهم ومواردها، ويتوسع في استيطانه العسكري، ويخنق أهلنا في قطاع غزة المكلوم، ويتركهم فريسة للتلوث والمرض والفقر، ويمعن في حصاره في القدس والخليل والأغوار. يأتي هذا في وقت، لا تزال فيه معاناة أسرانا مستمرة بل ومتفاقمة، إذ تعتقل إسرائيل في سجونها ومعتقلاتها، أكثر من ستة آلاف أسير، بينهم حوالي ثلاثمائة طفل وقاصر، ونحو سبعمائة من الأسرى المرضى، وسبعة وخمسين أسيرة.
وأوضح رئيس الوزراء: "إن هذا الواقع، إنما يضع مؤسسات التعليم العالي، أمام مسؤوليات كبيرة ومضاعفة للارتقاء بنوعية وجودة التعليم وموائمة مخرجاته مع الاحتياجات الوطنية والمجتمعية، وتأهيل وصقل مهارات الطلبة وتحفيزهم على التميز والريادة والابتكار، وتمكينهم من مواجهة الصعاب، وتكريس هويتهم الوطنية الجامعة، وتسخير خبراتهم وطاقاتهم في المنافسة محليا ودوليا، وفي بناء وطنهم وتطوير مؤسساته، ويضعكم أنتم أيضا، خريجي فلسطين، في مواقع هامة للمبادرة والابتكار والمنافسة وصنع الأمل والتغيير".
وأستدرك الحمد الله: إن صمام الأمان لحفظ هذه الإنجازات، بل والبناء والمراكمة عليها، هو ببسط القانون ومبادئ الحكم الصالح، وحماية المواطن وحرياته وممتلكاته، فقد اتخذنا خطوات هامة لتعزيز سلطة واستقلال القضاء الفلسطيني وإصلاح المنظومة القضائية، في إطار أجندة السياسات الوطنية والخطة الاستراتيجية لقطاع العدل التي أقرتها الحكومة للأعوام الستة القادمة. ونمضي، في مناقشة مشروع قانون السلطة القضائية مع مجلس القضاء الأعلى وكافة جهات الاختصاص، وعلى أساس التوافق الإيجابي بين كافة رؤساء مؤسسات قطاع العدالة، للانطلاق نحو تعديل القانون، آخذين بعين الاعتبار المشروعات والدراسات المقدمة أو التي ستقدم من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل والنيابة العامة، ليتم مناقشتها مع مشروع قانون السلطة القضائية لسنة 2005 والاستعانة بالخبراء والمختصين.
وقال: "لقد شكلت جامعة النجاح الوطنية، ولا تزال، بنية مؤسسية وطنية حيوية، تمضي نحو التوسع والتطور والمنافسة وطنيا وعالميا. فقد حصد طلبتها وأساتذتها وكلياتها، مواقع متقدمة في مسابقات وجوائز علمية دولية هامة، رفعت اسم فلسطين عاليا. ودأبت الجامعة على إدراج تخصصات ومساقات جديدة لتواكب العصر والاحتياجات المتجددة، فتوسعت في مرافقها وبنيتها التحتية والتكنولوجية. ويشكل "مستشفى النجاح الوطني"، بيئة علمية مثالية للتعلم والتطوير، ومساحة هامة للبحث والتدريب الطبي، وهو المستشفى التعليمي الوحيد في فلسطين الذي يوفر فرص التعليم والرعاية الصحية في آن واحد، ورغم أنه حديث التأسيس، إلا أنه استطاع أن يتوسع وينمو ويتطور، وأصبح وجهة علاجية تحويلية، تساهم في توطين العلاج والخدمات الطبية والنهوض بها".
وتابع الحمد الله: "لقد شرعنا، بخطوات ثابتة ومدروسة لإحداث تحول نوعي في منظومة التربية والتعليم، حيث بدأنا بإطلاق المناهج الجديدة ودمج التعليم التقني والمهني في التعليم العام بشكل تدريجي، وتقنين التخصصات في التعليم العالي لمنع تضخم بعض التخصصات الأكاديمية، وأطلقنا هذا العام، امتحانات الثانوية العامة بحلتها الجديدة. وفي مسار متواز نعمل، مع القطاع الخاص، باعتباره المولد الأكبر لفرص العمل، على بناء منهجية للتشغيل والحد من البطالة، من خلال خلق بيئة محفزة للعمل الريادي وتجنيد الدعم اللازم له من خلال تدخلات وطنية لترسيخ مفهوم الريادية ودمجها في البرامج والمناهج التعليمية الأكاديمية والمهنية، بالإضافة إلى تطوير السياسات التي تشجع على تنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وعلى هذا الأساس، وسعنا التعاون مع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، لمنع الازدواجية بينها وخلق مخرجات تتجاوب مع سوق العمل. ونتمنى على كافة جامعاتنا، أن تبقى منارة للعلم والمعرفة والفكر، وساحة للديمقراطية، المبنية على التعددية واحترام وقبول الآخر".
وأضاف رئيس الوزراء: "أتوجه بكل التحية والتهنئة إلى ذوي الخريجين وعائلاتهم الذين تحملوا معهم العبء والمشقات وأوصلوهم إلى درب النجاح. وأشكر الهيئات التدريسية والإدارية في جامعاتنا الوطنية، وكافة مكونات التعليم العالي في بلادنا على ما يبذلونه من جهود لتأهيل أبنائنا لخوض معترك الحياة والانطلاق في فضاءات العمل والبناء والخدمة. فالدول لا ترتقي بمواردها ومقدراتها فقط، بل بسواعد وعقول وخبرات بناتها وأبنائها".
واختتم الحمد الله كلمته قائلا للخريجين: "لقد تحديتم الصعاب التي تحاصركم، وتجاوزتم المعيقات التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمامكم، ليأتي نجاحكم اليوم ساطعا وملهما وواعدا، ومعكم، بإذن الله، سيحل فجرنا الواعد بالأمل والحرية والنصر، واقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
إلى ذلك، افتتح رئيس الوزراء كليتي القانون والإعلام، ومبنى المراكز العلمية في جامعة النجاح.