ليس كلاماً فاضياً بل هو قرار "مليان"، القرار الذي أصدرته منظمة التربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو"، أول من أمس - 7/7/2017، بإدراج مدينة الخليل وأثارها باعتبارها جزءاً من التراث الإنساني الذي يجب الحفاظ عليه وحمايته، امتداداً لسلسة قرارات شملت: 1- البلدة القديمة في القدس وأسوارها. 2- بيت لحم مكان ولادة السيد المسيح بما فيها كنيسة المهد ومسار الحجاج. 3- بتير: فلسطين أرض العنب والزيتون.
فالقرار يؤكد أن مدينة الخليل مدينة فلسطينية محتلة، لا يحق لسلطة الاحتلال تغيير معالمها، فهو يُعيد تأكيد حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه وتراثه، وهو يوجه صفعة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي مثلما وجه صفعة مماثلة لجبروت الولايات المتحدة وسياستها وسفيرتها نيكي هايلي العنصرية المؤيدة للاحتلال العسكري الإسرائيلي، والمعادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني السياسية والوطنية والقومية والإنسانية.
القرار انتصار فلسطيني وعربي وإسلامي وأممي لكل من يؤمن بالعدالة وإنصاف الشعب الفلسطيني، ولهذا فهو "مليان" وإيجابي وإضافي، ولهذا رفضته تل أبيب، واتهمت "اليونيسكو" بالانحياز للفلسطينيين وبأن قراراتها مسيسة، بعد أن فشلت حكومة نتنياهو في إحباط مشروع القرار، وعملت على عدم إصداره، بل ذهبت إلى محاولات تأكيد أن التراث الخليلي الفلسطيني تراث يهودي، في محاولة لتغيير ليس فقط معالم المدينة العربية الفلسطينية، بل وتغيير تاريخها بإضفاء صفة يهودية وهوية إسرائيلية للمدينة وتراثها وأهلها.
صحيح أن القرار لن يحمي الخليل من مواصلة الاحتلال، ومواصلة الاستيطان، وهو لن يوفر للشعب الفلسطيني مظلة حماية وصمود له على أرضه، بل سيبقى عُرضة لإجراءات الاحتلال العسكري التعسفية، ولعنصريته ولبطش المستوطنين وعدوانيتهم، ولكن القرار يعكس تفهم المجتمع الدولي لعدالة القضية الفلسطينية، وشرعية مطالبة شعبها، وهو تفهم وتحول يسير بشكل تدريجي وإن كان بطيئاً، ولكنه تراكمي يتطور على ما قبله من خطوات مهما بدت صغيرة متواضعة ولكنها مداميك على الطريق الموصلة إلى استعادة كامل حقوق الشعب العربي الفلسطيني على أرضه: حقه في المساواة، والاستقلال، والعودة.
ومثلما هو تحول وتفهم إيجابي لصالح الشعب الفلسطيني فهو بالمقابل يعكس تراجع التأييد الدولي للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بشكل تدريجي وتعرية إجراءاته وفضحها أمام المجتمع الدولي، فكل خطوة باتجاه فلسطين هي خطوة باتجاه التراجع عن إسرائيل، تلك هي المعادلة التي يجب إدراكها والتعامل على أساسها.
لقد نجحت الصهيونية ومشروعها الاستعماري بفعل عاملين: أولهما مبادراتها التنظيمية والسياسية، وثانيهما دعم المجتمع الدولي لها، من قبل الطوائف اليهودية، وأوروبا، وأميركا، بالمقابل لم يحظ الشعب الفلسطيني بقوى مساندة وروافع قوية تدعم مبادراته، وهنا تكمن أهمية ترابط المعادلة الوطنية عبر الفعل الفلسطيني مع المواقف الدولية والعمل على كسب مزيد من الانحيازات من بين صفوفها لعدالة الحقوق الفلسطينية وشرعيتها ودعم استعادتها.