النصر الممنوع

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

وكأنه ممنوع على الدولة السورية أن تحقق نصراً حاسماً كالذي حققته في حلب لتكون اللاعب الأساس الحاسم في تقرير شكل وطبيعة الوضع في سورية. لكن ما حققته مع حلفائها من انتصارات على أكثر من جبهة حتى الآن فرضها طرفاً أساساً وأولاً، لكن ليس الحاسم. فلا يزال هناك أطراف أخرى عديدة، وإن بدرجات متفاوتة، وربما متدنية من الأهمية.
وسائل المنع من تحقيق الانتصار الحاسم وصلت إلى درجة التدخل العسكري المباشر من دول عالمية وإقليمية ضد قوات الدولة السورية وهي تتقدم نحو مواقع استراتيجية وحاسمة. حصل ذلك من قبل الولايات المتحدة، في بادية الشام حين كانت قوات الدولة السورية تتقدم إلى الحدود السورية مع العراق والأردن (التنف). وحصل ذلك إسرائيليا في كل مرة كانت قوات الدولة السورية تحرز تقدماً في مناطق القنيطرة وبالقرب من الجولان. وحصل ذلك تركياً، بأكثر من شكل وفي أكثر من موقع وتحت أكثر من حجة ومبرر في المناطق الحدودية السورية التركية.
هذا المنع من تحقيق نصر حاسم، يتوافق مع التغيير في أولوية العناوين والشعارات الأساسية حول سورية، فقد تراجعت أولوية شعار القضاء على الإرهاب بعد الضربات الكبيرة التي تلقاها والهزائم التي لحقت به، وتقلصت بسببها مساحات الأراضي التي يسيطر عليها والمواقع التي يحتلها، كما تراجعت قوته ودخل في مرحلة الهزيمة، حتى لو استطال زمانها لبعض الوقت. كما تراجعت أولوية شعارات الإصلاح والتغيير الداخلي في سورية وتراجع معها لدرجة تقرب من الزوال شعار تغيير رأس النظام السوري، على المستوى الدولي بالذات.
ما يطغى على المشهد السوري الآن، ويحتل صدارته، هو ما يجوز وصفه بصراع المصالح والترتيبات وحصص النفوذ في مرحلة سورية ما بعد الإرهاب. وفي هذا الصراع، تتعدد الدول والقوى بشكل لافت، كما تتنوع الخلفيات. فإلى جانب النظام السوري الذي يفرض نفسه كطرف أساس وأول، كما تمت الإشارة، ويسعى بمثابرة وإصرار لتعزيز وضعه ودوره بوصفه يقود الدولة ذات السيادة على كل سورية، هناك ما يطلق عليها «السياسية» من قوى المعارضة السورية ودول الإقليم التي ترعاها وتدعمها. وهناك عدد كبير من الدول والأطراف الدولية. فهناك أولا، وحسب قوة التأثير، روسيا والولايات المتحدة، ومعها عدد من الدول الأوروبية الأخرى، وهناك ايران والقوى المحسوبة عليها والمتحالفة مع النظام السوري، وهناك تركيا بمطامحها «السلاطينية» المعلنة تجاه سورية، إضافة إلى مقاومتها الشرسة للأكراد وأي احتمال لقيام كيان سياسي لهم مهما كان شكله. ثم هناك طبعاً، دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لا تخفي مطامحها تحت عناوين من نوع ضمان أمن حدودها الشمالية، وعدم قيام دولة قوية إلى جوارها، ومن نوع ضمان استمرار احتلالها لهضبة الجولان والاعتراف بسيادتها الأبدية عليها، كما طالب بذلك نتنياهو مؤخرا.
للأسف، فإن حضور الدول العربية ودورها وفعلها في صراع المصالح والترتيبات والحصص المشار إليه يكاد يكون معدوماً، سواء كدول منفردة أو في إطار جامعة الدول العربية. وينحصر دور بعضها غير المعلن، بل الذي يتم نفيه والتنكر له، في الدعم السري لهذه القوة أو تلك من قوى المعارضة والاختباء وراء مطالبها.
وليس غريباً، والحال كذلك، أن تأتي كل مشاريع الحل من خارج المنطقة العربية، وأن يلتحق النظام العربي بتلك المشاريع، من موقع المتلقي.
وكل هذه المشاريع، تتفق في جوهرها على إعادة صياغة الدولة السورية التاريخية كما عرفناها لقرون طويلة: مركزاً لبلاد الشام، وعبق تاريخها وإشعاع حضارتها، والأهم، إعادة صياغة دورها في عموم المنطقة.
ما يحصل في سورية، ليس المشهد الوحيد أو المنعزل، بل هو المشهد، ربما الأكثر إيلاماً وتعقيداً، لكنه مع ذلك يبقى مجرد مشهد في الصورة العامة للمنطقة العربية كلها. الملمح الأساس لهذه الصورة هو «السيولة « وخطر التفرق والتقسيم يلوح منذراً فوق معظم أرجائها وعديد من دولها وكياناتها. ولا يمكن أن ندخل خطر الإرهاب الذي ينتقل بمركزه وخططه وإرهابييه من المناطق التي يهزم، أو يتلقى ضربات قاسية فيها، إلى دول ومناطق تتسع مساحاتها وتضعف وحدتها وتماسك مكوناتها، وتخف إلى درجة كبيرة قبضة قواها الأمنية.
هذا الوضع العربي ينعكس بالتأكيد ويرمي بمخاطره على قضية النضال الوطني الفلسطيني. ودون الخوض في التفاصيل فإن انعكاس هذا الوضع ومخاطره يتمثل في ثلاثة عناوين أساسية: الأول، تراجع مكانة القضية الوطنية الفلسطينية بدرجة كبيرة وعلى المستويات الوطنية والقومية والدولية.والثاني، استشراس غير مسبوق لدولة الاحتلال يطال كل شيء فلسطيني. والثالث، درجة غير مسبوقة من إمكانية تقبل واقع وجود دولة الاحتلال والتعامل معها.