انشغلت وسائل الإعلام الفلسطينية كما الإسرائيلية، خلال الأسابيع الأخيرة، بمعالجة مسألة صفقة يتم الإعداد لها حول تبادل الأسرى والمعتقلين على ضوء الزيارتين المتكرّرتين من قبل «حماس» للقاهرة. كثيرة هي التصريحات والشائعات والتسريبات حول هذه الصفقة.
بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول: إنه لا دخان بلا نار، بينما البعض الآخر لا يرى في هذه التسريبات ما يشير إلى جهد جدي على هذا الملف، باعتبار أن الأمر لا يعدو كونه شكلاً من أشكال تحسين العلاقات بين «حماس» والقاهرة، وفي هذا السياق ـ حسب هذا البعض ـ فإن «حماس» تسلّم هذا الملف للوساطة المصرية كوسيط حصري لصالح القاهرة في إطار تطوير العلاقات بين الجانبين مع إدراك «حماس» أن اشتراطاتها لعقد هذه الصفقة من الصعب على الجانب الإسرائيلي التعاطي معها، ما يجعل أمر هذه الصفقة مجرد حراك دون نتيجة، باستثناء إمساك الجانب المصري حصرياً بهذا الملف.
باعتقادنا أن أمر هذه الصفقة مرتبط بعوائق كثيرة وأكيدة، تنطلق في مجملها من تجربة التعامل مع الصفقات السابقة بين إسرائيل و»حزب الله» و»حماس». مخاوف ومحاذير تتعلق بالتعامل مع صفقة جديدة تنطلق من عامل «الحذر» أكثر من عامل النوايا، ما يجعل إجراء مثل هذه الصفقة دونه الكثير من المصاعب والعقبات والعوائق، بحيث يصعب جَسْر الهوة بين مطالب واشتراطات الجانبين، على الرغم من وسائل الضغط والترحيب والتحذير التي من المحتمل أن تلجأ إليها القاهرة لتسهيل إنجاز هذه الصفقة!
في مجمل ما سرّبته وسائل الإعلام الفلسطينية في هذا السياق، نجد نفياً حمساوياً حول كل ما يُشاع حول هذه الصفقة، وهو نفي ذكي للتعاطي مع عملية تفاوضية بهذا الشأن، في سياق عدم منح الطرف الآخر أي معلومات مسبقة مهما كانت، إضافة إلى أن هذا النفي يشجع عائلات الأسرى الإسرائيليين لتشديد الضغط على حكومة نتنياهو لإنجاز مثل هذه الصفقة. في الجانب الإسرائيلي، هناك محاولة للتقليل من الاهتمام الرسمي الإسرائيلي، بالقول: إن الأمر يتعلق بجثتي الجنديين الإسرائيليين هدار غولدن وأرون شاؤول، وثلاثة إسرائيليين اجتازوا الحدود إلى قطاع غزة برغبتهم، وهم في الغالب من أصحاب «الحالات النفسية» وأحدهم كان ينوي الالتحاق بتنظيم إرهابي انطلاقاً من قطاع غزة!
وحتى قبل أن تبدأ المفاوضات بشأن هذه الصفقة، هناك اشتراطات من قبل «حماس» يجب أن يُستجاب لها، لبدء مثل هذه المفاوضات، وتتعلق، أيضاً، بتجربة الصفقات السابقة، وتتضمن إطلاق سراح أكثر من 54 أسيراً ثم إعادة أسرهم بعد تحريرهم في إطار صفقات سابقة، وهذا العدد يتزايد باستمرار مع إقدام السلطات الإسرائيلية وبشكل ممنهج على إعادة هؤلاء إلى السجون والمعتقلات لاستكمال مدد محكوميتهم، تنصلاً من الاتفاقات في إطار هذه الصفقات. هنا نتحدث عن أعقد المشكلات التي تواجه المفاوضات حول هذا الملف. هنا نتحدث عن مدى عدم الثقة بأي اتفاقات وضمانات مع الاحتلال الإسرائيلي، في إطار سياسة الباب الدوّار والذي يتيح لها إعادة أسر واعتقال من يتم تحريرهم في إدارة الظهر لكل الاتفاقات والضمانات. لذلك، تشترط «حماس» ودائماً وفقاً للمصادر الإعلامية الإسرائيلية ـ إطلاق سراح كل من أعيد أسرهم بعد تحريرهم في سياق الصفقات السابقة كشرط أوّلي للبدء في مفاوضات جديدة.
إسرائيل رفضت هذه الاشتراطات، حسب «يديعوت أحرونوت»، رغم أن الأمر كما تم في إطار صفقة شاليط، عندما قدّمت «حماس» معلومات أوّلية من خلال شريط فيديو قبل بدء المفاوضات حول تلك الصفقة، إلاّ أن نتائج تلك الصفقة كانت «مؤلمة» لنتنياهو وحكومته، وتلقت انتقادات شديدة، الأمر الذي تشير إليه وسائل الإعلام الإسرائيلية من خلال مقارنات ومقاربات مع احتمالات التفاوض لعقد صفقة جديدة، حيث تشير إلى أن نتنياهو ليس من طبيعته المغامرة بسمعته كمتشدد وأنه سيراوغ لطمأنة أهالي الأسرى الإسرائيليين من دون أن يُقْدِمَ على أي خطوة حقيقية لعقد صفقة قد تؤدي إلى تدهور شعبيته، وفي إطار وضعه الصعب، حيث لا يستطيع عدم الاستجابة لمتطلبات عقد مفاوضات، إلاّ أنه أعجز من الاستجابة لاستحقاقاتها.
تتحدث إسرائيل عن مرحلتين لهذه الصفقة، الأولى معلومات من قبل «حماس»، مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين الذين أعيد اعتقالهم بعد تحريرهم، والثانية تتم من خلالها عملية التبادل، وترى أنه ليس من المحتمل الإقدام على أي مرحلة من دون تفاهمات وضمانات شاملة قبل البدء بتنفيذ المرحلة الأولى، لكن.. وحتى في هذه الحالة، فإن الأمر سيظل مناطاً بنتنياهو وحكومته، وبفرض أن رئيس الحكومة الإسرائيلية توصل إلى قناعة بضرورة إتمام الصفقة، فإن هناك معارضة شديدة ومؤثرة من قبل عدد ليس قليلاً في «الليكود» كما في حكومته، خاصة من قبل وزير الأمن جلعاد أردان ووزير التعليم نفتالي بينيت، الأمر الذي يجعل الحديث المتواتر حول هذه الصفقة ليس أكثر من حراك دون أن يكون فاعلاً في نهاية المطاف على المستوى المنظور زمنياً على الأقل!