طَرفة، والمُكعبر، والغوليم!

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

أسطورتان مختلفتان، في الزمن والحدث، ولكنهما تتوافقان في كثيرٍ من الدلائل.
الأسطورة الأولى حدثتْ في نهاية العصر الجاهلي، هي جزءٌ من التراث العربي الأدبي الجاهلي، من سيرة الشاعر الجاهلي، أحد أصحاب المعلقات، طرفة بن العبد (البحريني) المولد، نديم الملك عمرو بن هند، زعيم مدينة الحيرة في العراق، وملك المناذرة. تقول الأسطورة:
أوغر الوشاةُ صدرَ الملكِ على طَرفة وعلى خاله، المتلمِّس بادِّعاء أنهما هجَوا الملك، فأرسلهما الملكُ، عمرو بن هند إلى والي البحرين، (المكعبر)، وحمَّلَهُما رسالتين مغلقتين، بادعاء أنَّ فيهما جوائز، والحقيقة أن فيهما أمراً بقتل الاثنين، طرفة، والمتلمس، نجا المتلمسُ لأنه شكَّ في الرسالة، أما طرفة فلم يشك، فقُتِلَ الشاعرُ المبدعُ، طرفةُ بن العبد، ولمَّا يبلغ الثلاثين من عمره. هو قائل المعلقة المشهورة المبدوءة (لخولةَ أطلالٌ ببرقة ثهمد...)
يصف المبدعُ، طرفة بن العبد اختلافه مع عشيرته، وهروبه من واقعه المرير إلى شرب الخمر، يقول: وما زال تشرابي الخمورَ ولذّتي... وبيعي وإنفاقي طريفي ومُتْلَدي
إلى أن تحامتْني العشيرةُ كلُّها... وأُفردتُ إفرادَ البعيرِ المُعبَّد
طرفةُ يضع إصبعه على الجرحِ في المعلقة نفسِها في بيتٍ خالد من الحكمة يتغنى به كثيرون دون أن يعرفوا قائله:
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند!
هل يشبه الشاعرُ، طرفةُ دولة قطر اليوم، التي أُفرِدتْ هذه الأيام إفرادَ البعيرِ المُعبَّدِ؟!!!
أما الأسطورة الثانية فهي أسطورة الغوليم اليهودية، القصة تحكي أسطورة خلق إنسان من الطين على يد الحاخام، ماهرال من مدينة براغ، لغرض حماية اليهود من الحصار والاضطهاد، استطاع هذا الحاخام أن يصنعَ هيكلا بشرياً قوياً، ليؤديَ الخدمات لصانعه، ويذود عنه الأعداء والمنافسين، هذه الأسطورة وُضعتْ لبث الرعب في نفوس كارهي اليهود في أوروبا الشرقية، ومحاربة دعوات اللاسامية، وكذلك لإثبات قدرات اليهود الإبداعية، غير أنَّ هذا المصنوع الطيني تمرَّد على صانعِه، وشرعَ في تحطيم كلَّ ما يعترضُ طريقَه، ولم يكتفِ بذلك، بل هدَّد الصانع نفسَه، الحاخام ماهرال!
لم يجد الحاخام مفراً سوى القضاء على الغوليم، وإعادته إلى حالتِه الطينية من جديد؟!!
السؤالُ الجوهريُ هو: مَن الذي اخترع (غوليم الإرهاب) في عصرنا؟
لماذا ندمَ صانعو الغوليم على صناعتهم؟!!
هل تمرد الغوليم على صانعه، حين شرع في الشغب عليه ومضايقته، لذا لزم الأمرُ أن يُحاصر ويُدمَّر ليس للقضاء على التخريب والإرهاب، والتدمير والقتل، كما يُزعَم، ولكن ليتمكَّنَ المُخترعُ من صناعةِ غوليمٍ إرهابي جديد آخر، بعد تصحيح أخطاء الصناعة الأولى، لكي ينفذ الأوامر، لا يتعداها كما الاختراع الأول؟!!!!
أم أن هذا الغوليم قد أنجز مهمتَه، وأصبح وجودُه عبئا ثقيلا على صانعه، لذا يجب القضاءُ عليه، ليس بيد صانعِه، بل بيد أقرانه؟!!
أم أنَّ الخطةَ الجديدة تقضي بالبراءة من الغوليم التراثي القديم، بعد أن فُضِحَ أمرُهُ، لغرض إبداع غوليم جديد مجهول النسب والهُوية، ليتمكن بهذا الغموض أن يُحقق الأهداف المرسومة له بالضبط، لتسهيل مرور قطار العولمة الجديد، الخالي من المبادئ والحقوق والحريات، والأيدلوجيات، والنظريات الوطنية، والشعارات التحررية، والثقافات، هذا القطار يجب أن تقتصر حمولتُه على منتجات الشركات العولمية لا يتعداها، الغذاء، والدواء، والكساء، ليصبح البشرُ كلُّهم نماذج من الغوليم؟!!