هل نحن أمام انتفاضة ثالثة؟

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

ما يستدعي سؤال الانتفاضة الثالثة، هو ان القدس والأقصى وتدنيس شارون لهما في العام 2002 كان المفجر للانتفاضة الثانية، وان العملية الأخيرة بحجمها وطبيعتها ومكانها ونتائجها، ثم التداعيات وردود الفعل حولها، يجعلها في حجم زيارة شارون، وربما أكبر. وفي الأصل والأساس فان الوضع المركزي للقدس وطنيا، والوضع شديد الخصوصية لها دينيا يجعل من المساس بها كالمساس بصاعق البارود المفجر.
العملية في المسجد الأقصى يجب التعامل معها والنظر اليها بوصفها عملية فلسطينية ضد الاحتلال ودولة الاحتلال وقواها الأمنية. لا يغير من هذه النظرة اية تفاصيل تتعلق بمكان القدوم، او الانتماء الطائفي او الديني للشهداء منفذي العملية، وللقتلى من قوات الاحتلال. ولا يجوز بحال ان يؤدي الجدل حول التفاصيل الى خلاف مجتمعي بأي قدر.
كل جدل حول تفاصيل من هذا الطراز هو خارج الزمان والمكان، وايضا خارج ما تفرضه العملية من أولويات وطنية ونضالية.
اما القول باستخدام دولة الاحتلال العملية، لفرض سيطرتها وتحكمها على المسجد الأقصى وفرض إدارتها وإجراءاتها وقيودها عليه، فهو تحصيل حاصل.
فمخططات دولة الاحتلال تجاه السيطرة المطلقة والأبدية على القدس، وتجاه السيطرة المطلقة والأبدية على المسجد الأقصى وصولا الى فرض التقسيم الزماني عليه، لا تبحث عن ذرائع ولا فرص.
فهي تعلن تمسكها ببقاء القدس موحدة تحت سيطرتها المطلقة وتعلنها عاصمة أبدية لها. وما مشروع القرار حول القدس الذي يمنع تقسيمها تحت اي ظرف والمطروح أمام الكنيست للإقرار الا تأكيد أخير على ذلك.
اما حول الأقصى، فان تصريح « نتنياهو» في الأسابيع الأخيرة بأن «جبل الهيكل» ( المسجد الأقصى) وحائط المبكى ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية الى الأبد» يضع مخططاتهم حوله تحت اكبر كشّاف ضوئي.
تعاطي دولة الاحتلال وتمسكها بحل فرض البوابات لا يترك مجالا للشك انها تخوضها بأفق سياسي عنوانه فرض السيطرة على المسجد الأقصى تنفيذاً لمخططهم الدائم.
العملية بذاتها وردة فعل دولة الاحتلال الهستيرية وإجراءاتها الفاشية والعنصرية، تضع الكل الفلسطيني، جماهير وسلطة وتنظيمات وقوى مجتمع مدني ورجال دين مسلمين ومسيحيين امام تحديات لا خيار أمامها سوى خيار النجاح والانتصار.
التحدي الأول، هو خوض المعركة بأفق وطني كامل يشارك فيه الكل الوطني. وهذا ما يحصل في اكمل وأبهى صورة. لم تتأخر جموع أهل الوطن في كل مكان عن تلبية نداء القدس والأقصى، وامتلأت بها كل ساحات الوطن وشوارعه دفاعا عن الأقصى والقدس، ودعما وإسناداً لمرابطي القدس، رأس الحربة في المعركة.
نعم، فلتكن انتفاضة ثالثة تعمّ كل مناطق ومدن وقرى ومخيمات الوطن، وتشارك فيها كل تشكيلات اهل الوطن، الاجتماعية والسياسية والتنظيمية.
ونعم، فلتفرز التشكيلات الشعبية قيادتها/قياداتها الميدانية، اذا ما استمرت التنظيمات مختلفة فيما بينها واستمرت محكومة لصراعاتها.
ونعم، فليكن الطابع الاساسي لهذه الانتفاضة طابعا شعبيا وبتعبيرات نضالية شعبية مركزها الدفاع عن القدس وعن الأقصى وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية.
التحدي الثاني، ان ننجح في تجاوز الخلافات القائمة بين تنظيماتنا السياسية والمسببة للانقسام بين صفوفنا، على قاعدة وحدة الإطار الجامع والقيادة السياسية والحكم، ووحدة التمثيل السياسي ووحدة البرنامج التوافقي وسيادة الديمقراطية.
واذا كانت كل الظروف والمحاولات والمساعي لم تنجح حتى الآن في إنهاء الانقسام بين صفوفنا، فلتكن راية القدس، قدسنا وعاصمتنا، والدفاع عن الأقصى وكل المقدسات الأخرى هي الراية التي نتوحد تحت لوائها. حتى لو تحقق ذلك دون وقبل التمكن من تجاوز كل خلافاتنا، وانما تحقق على اساس التوافق على تسكين الخلافات وتأجيلها، بالرضا والقناعة، او بالنزول تحت ضغط الحالة الجماهيرية وضرورات مواجهة خطط العدو ومشاريعه.
وبالتأكيد فان النضال الموحد تحت عنوان بدرجة الدفاع عن القدس والأقصى لا بد ان يلعب دورا هاما في إزالة الخلافات وفي توضيح المواقف، وفي تقريب فرص وإمكانيات الاتفاق حول القضايا الخلافية، وحتى الأصعب منها.
التحدي الثالث، ان تكون معركة القدس والأقصى والمقدسات مناسبة تفرض علينا مراجعة شاملة لكل أوضاع نظامنا السياسي بشكل عام، والعلاقة بين مكوناته، وواقع مؤسساته واجهزته وقواعده الشعبية ومدى فعلها ودرجة حيويتها. وما يفرضه ذلك من ضرورة الاتفاق على اعادة الحياة والحيوية لها بداية عن طريق التفاهم وصولا الى الوسائل الديمقراطية الحاكمة وفي اولها الانتخابات الديموقراطية. ولا يجب القبول والاستكانة، او التحجج، وتوقيف المسار كله خضوعا لاي طرف لا يكتفي بالمعارضة او المقاطعة بدرجاتهما، بل يعطي لنفسه حق النقض وتوقيف المسار حيث يمكنه التحكم به .
وان تفرض علينا معركة القدس والأقصى والمقدسات مراجعة نهجنا السياسي ودرجة صحته وصلاحيته وفائدة استمرار تمسكنا به والسير على هديه بعد ما أضافت معركة القدس والأقصى برهانا ساطعا جديدا ان لا امل يرجى البتة من المفاوضات بقواعدها وطرائقها الحالية وتوازن قواها القائم بان توافق دولة الاحتلال حتى على الحد الأدنى من مطالبنا ( ثوابتنا) الوطنية المحقة.
وان تفرض علينا معركة القدس أيضاً، مراجعة عمقنا وسندنا العربي وحال التراجع الشديد التي يعيشها، حتى على المستوى الشعبي، وكما يظهر في المعركة الحالية. وان نكون صادقين وأمناء مع انفسنا ومع أشقائنا العرب في تحديد حصتنا وما نتحمله من مسؤولية عن هذا الحال، مهما تدنت درجتها ونسبتها.
أياً تكن التسمية: هبة، انتفاضة، شدّ للرحال نحو الأقصى، يبقى لها نفس الجوهر: حركة شعبية عارمة وشاملة، تفرض نفسها وتخوض تحدياتها على كل المستويات ... وهي لا بد منتصرة.