لديه قيادة للأمن القومي و»كابنت» وجهاز أمن عام ومنسق اعمال في «المناطق» وجيش إسرائيلي وشعبة استخبارات، ومع ذلك قرر بنيامين نتنياهو نصب بوابات الكترونية في الحرم دون أن يستشير بجدية ويستنير برأي اولئك. والآن، بعد أن فهم بأنهم محقون بات عالقاً على رأس الشجرة. إذا أبقى البوابات الالكترونية في الحرم قد يستيقظ صباح عنف شديد في القدس، عنف يمكنه أن يتدحرج بسرعة الى انفجار إقليمي. واذا أخلى البوابات الالكترونية عن الجبل، فستظهر على الملأ هشاشة قدرته على الصمود، وكم تخاف اسرائيل التهديد، وكم سيكون ردعها هشا. وضع كلاسيكي من عدم القدرة على البلع او اللفظ. متاهة من بلاد المتاهات كان يمكن الامتناع عنها بكل سهولة لو كان نتنياهو فقط تعلم شيئا ما من تجارب الماضي، وأجرى دراسة مرتبة قبل أن يضع حقائق على الأرض. لم يجر أي دراسة قبل قضية مرمرة، ولم يجر أي دراسة (عن الانفاق) قبل «الجرف الصامد»، وهلمجرا... ولكن نتنياهو، كالمعتاد، لا يعتمد الا على نفسه وعلى مولخو (في موضوع الغواصات، على شمرون ايضا)، وحينها اكتفى بتوصية الشرطة واسناد جلعاد اردان كي يقرر. اما الآن فهو يقف امام نتائج هذا القرار، ولا فكرة لديه كيف يتراجع عنه. لن يخرج من هذا الوضع خير.
الراشد المسؤول حقا في هذه القصة هو رئيس الدولة روبين (روبي) ريفلين. بدلا من الانشغال بالامر الاساس، بذل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أول من أمس، طاقة باهظة الثمن على مشادة زائدة وصبيانية مع ريفلين حول مكالمة كان يفترض بها أن تتم بينه وبين الرئيس التركي اردوغان. وبدلا من ان يستغل نتنياهو السمعة الطيبة لريفلين في اوساط «عرب اسرائيل»، وبدلا من أن يستغل رسائل اسرائيل عبر الرئيس، عاد بيبي الى جنون الاضطهاد القديم الذي شجعه في حينه على محاولة الغاء مؤسسة الرئاسة كي يمنع ريفلين من الوصول الى مقر الرئيس. من المحظور أن يتحدث ريفلين مع اردوغان، قال رجال نتنياهو في وزارة الخارجية. لماذا؟ لان هذا سيجعل تركيا لاعبة في عملية حل الازمة، هذا هو السبب.
هراء في هراء. أولا، المكالمة كانت قد تقررت. مقر الرئيس في اسرائيل هو عنوان لمكالمات هاتفية من كل العالم. والرئيس غير مطالب باخذ الاذن المسبق للحديث مع زعماء يطلبون الحديث معه. والطلب التركي جاء ظهر أول من امس، واستجاب الرئيس ريفلين عن طيب خاطر. وبعد ذلك حين طلب رجاله تنسيق الرسائل مع وزارة الخارجية، بدأت رقصة الجنود. في هذه المرحلة ما كان يمكن الغاء المكالمة دون التورط بفضيحة علنية، بل وحيال من اختصاصه هو الفضائح من هذا النوع. اما ريفلين فقرر اجراء المكالمة.
بخلاف نبوءات الغضب، لم تجعل المكالمة الهاتفية اردوغان لاعبا في اي تسوية. لم تكن سيئة، بل ان اردوغان فاجأ حتى في شجب خفيف للعنف وفقدان حياة البشر. اما ريفلين فنقل كل الرسائل اللازمة وبلا تردد. بل ذكر اردوغان أنه بعد فترات الارهاب الاخيرة في تركيا، سارعت اسرائيل الى الشجب تلك الأعمال ومنفذيها بشدة والاعراب عن تأييد الاتراك. لا شيء دراماتيكيا حصل في اعقاب هذه المكالمة، ربما باستثناء التشديد الذي قدمه الرئيسان الواحد للآخر على اهمية الخط المفتوح بين أنقرة والقدس. أمن اجل هذا تصببت عرقا شديدا يا بيبي؟
من الواضح أنه من الناحية الموضوعية فان نصب البوابات الالكترونية صحيح. فاسرائيل ملزمة بمنع العمليات في الحرم. وقد أدخل المنفذون السلاح الى مجال المساجد، وكان ينبغي منعهم من عمل ذلك. الموضوع هو انه توجد اعتبارات اخرى. في تقويمات الوضع الاولية بعد العملية يوم الجمعة في القدس، اصدر نتنياهو أمرا بسيطا: «حسنوا الحراسة على الحرم!». ولم يذكر الطريقة المطلوبة. في المرحلة التالية لم يكن هناك نقاش على نصب البوابات الالكترونية. ولم يُسأل الخبراء عن رأيهم. اما الشرطة المسؤولية عن النظام والامن في الحرم، فهي التي نصبت في الحقيقة والبوابات. ذات صباح نهضوا في الجيش وكذا في المخابرات الاسرائيلية ونهضوا في الاوقاف فوجدوا هذه البوابات الالكترونية دون أن يكونوا استعدوا لها مسبقا. هكذا تبدو الفوضى، هكذا تبدو ايضا الادارة المهملة، وهكذا يبدو القصور.
توجد بدائل. توجد سلبيات وإيجابات. في كل ما يتعلق بالحرم، فان الاعتبارات مركبة ومعقدة اكثر بكثير من كل باقي العالم. لقد كان الاصرار على طرد المرابطين والمرابطات مثلا صحيحاً، بل نجح. اما قصة البوابات الالكترونية فقد جاءت بتوقيت سيئ، بمكان سيئ، ونتائجها لا تستحق جملة المخاطر المتفجرة في هذا الوقت.
المشكلة هي أن كل هذا قيل الآن في وقت متأخر. فالاجهزة باتت منصوبة، والاشجار تم التسلق عليها والتراكض في ذروته. الكل في هذا المعمعان – الاردنيون بالطبع، السعوديون من الجانب، اردوغان يحاول زق قدم في الباب، الاوقاف والفلسطينيون. والاميركيون في لعبة مزدوجة يتميزون بها: علنيا، يساندون اسرائيل؛ داخل الغرفة، يناشدونها النزول عن الشجرة. كيف سينتهي هذا؟ في حل وسط، سيستغله الفلسطينيون باعلان النصر. البوابات الالكترونية ستقف هناك يتيمة، ولن تستخدم، أو ستستخدم ولكن بتقنين.
افترض أن نتنياهو يسب الآن اللحظة التي سمح فيها للوزير اردان والمفتش العام ألشيخ جره الى هذا الوضع السخيف. فهو يحب جداً أن يخرج رجلا، قويا، شجاعا ومصمما. والحديث الذي بث «بالخطأ» للصحافيين، والذي صرخ فيه بيبي على زعماء الدول الاوروبية وكأنه في صف من التلاميذ الموبخين، جاء ليخدم هذه الصورة. اما الآن فان بعض البوابات الالكترونية تهدد بان تهدم له كل هذه القصة. في محيط نتنياهو ينظرون بعين عوجاء الى المفتش العام ألشيخ، ليس من اليوم. من ناحية «محيط رئيس الوزراء» اذا طلب اعفاء المفتش العام من منصبه، فان احدا لن يقف في طريقه، بل ربما العكس. وفي الاروقة التي تصل الى بلفور تتراكض اسماء لمرشحين بدلاء. ليس مؤكدا ان يسير ألشيخ في تيار هذه الاحاسيس. ومع الوزير ايضا يدير منظومة علاقات اشكالية، على اقل تقدير، ولكن هذا لا يقلل من استمتاعه بالمنصب. في هذه اللحظة ليس واضحا اذا كان ألشيخ سيكون أول من ينهي مهام منصبه، من بين الثلاثة.
عن «معاريف»