نشرت عناوين كبيرة، هذا الاسبوع، تقول إنه بسبب الوضع الصعب لسكان غزة، فان اللحظة التي ستقوم فيها «حماس» بفتح النار تقترب. وحسب رأيي هناك مبالغة كبيرة في وصف الأمور، وفي الادعاء بأن اسرائيل هي المسؤولة عن هذا الوضع الصعب، أو تسريع قرار «حماس» الخروج الى المواجهة بسبب هذا الوضع. ليس هناك خلاف على أن حياة المواطن في غزة صعبة. فاذا لم يكن ينتمي لـ»حماس»، فهو ليس مقرباً منها. ولكن «حماس» لم تتخذ ولا تتخذ القرارات بناء على وضع السكان في غزة، بل بناء على اعتبارات اخرى تتعلق بالمنظمة نفسها، الاستعدادية للحرب، والضغط على استمرار نشاطاتها.
رغم أهمية الوضع الاقتصادي في غزة، إلا أن الحرب الأخيرة اندلعت عندما كانت «حماس» في مرحلة متقدمة من الاعداد لعملية كبيرة (حسب وسائل الاعلام، اعتقد «الشاباك» أن العملية توجد خلف الزاوية مباشرة)، وذلك بعد قيام الجيش الاسرائيلي باعتقال الكثير من قادة «حماس» في الضفة الغربية بالتزامن مع تصفية عدد من نشطاء «حماس» في غزة. صحيح أن «حماس» شعرت بالضغط لأسباب اقتصادية، لكن ليس الوضع الصعب للسكان هو الذي كان وراء التدهور. يجب علينا أن نكف عن السذاجة في هذا الامر.
وبالقدر ذاته يجب علينا التخلص من موقفين متفائلين يتعلقان ايضا بغزة ومصيرها: حتى لو أصبح السكان في غزة أكثر جوعا، فهم لن يتجرؤوا على احداث «ربيع عربي» من أجل استبدال «حماس». فـ»حماس» مترسخة جيداً في القطاع وفظاعتها معروفة للسكان الذين يعرفون أنه ليس هناك بديل أفضل كي يسيطر في القطاع.
ونظراً لهذه الأسباب يجب علينا التعود على فكرة أن «حماس» لن تتنازل عن مكانتها في القطاع، والسكان لن يطردوها حتى لو أصبحوا أكثر جوعا. صحيح أن «حماس» تريد الشرعية لكنها لن تتنازل من اجلها عن حكمها وعن قوتها العسكرية أو وسائلها القمعية. وبالقدر ذاته لا أساس للاعتقاد بأنه اذا كان هناك نمو اقتصادي في غزة فان «حماس» لن تبادر الى القتال. هذا الخطأ يستند الى فرضية أن ما يوجه «حماس» هو رغبة زعيم عقلاني يريد رفاه مواطنيه. وهذا الامر لا يوجد لدى «حماس».
«حماس».. العنوان الوحيد
رغم ما قيل، إلا أنه توجد مصلحة حقيقية لاسرائيل في أن يعيش جيرانها بشكل افضل، وأن يقل اليأس، وأن يستطيع المواطن العادي القول لنفسه بشكل واضح إن وضعه أفضل بكثير من وضع
إخوانه في الشرق الاوسط. هذه مصلحة اسرائيلية في «يهودا» و»السامرة» تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم السلطة الفلسطينية، وبشكل مبدئي هناك لاسرائيل مصلحة مشابهة تجاه الفلسطينيين في غزة، انطلاقا من الالتزام الانساني ومن اجل منع الفوضى التي قد تنبع من اليأس.
ولكن «حماس» هي التي تسيطر في غزة، واهتمامها ينصب ليس على المواطنين في غزة، بل على زيادة قوتها العسكرية وسيطرتها، لذلك فان كل ما تقوم اسرائيل بادخاله الى غزة لا يساعد في وجود حياة طبيعية هناك. «حماس» ستهتم أولا وقبل كل شيء بحفر الانفاق وانتاج السلاح.
وستهتم «حماس» ايضا بحصول أتباعها على ما يتم ادخاله الى القطاع، وبعد ذلك يتم اعطاء الفتات لباقي المواطنين. لهذا فان الادعاء بأن اسرائيل هي المسؤولة عن عدم الاعمار هو ادعاء لا أساس له من الصحة. فـ»حماس» هي التي تقوم بوضع الأولويات، وكلما دخلت مواد أكثر الى غزة تمكنت من زيادة قوتها العسكرية. هل يجب على اسرائيل أن تضحي على مذبح شروط حياة الفلسطينيين في القطاع على حساب أمنها؟ لا يبدو لي ذلك. صحيح أن اسرائيل هي المسؤولة عن الحصار المفروض على القطاع، لكن لا مناص من الاستمرار به من اجل منع دخول الوسائل القتالية المتطورة الى القطاع. والآن أيضا يتم انتاج معظم السلاح في غزة. وليس من الصحيح أو المنطقي السماح لـ»حماس» باستيراد القدرات التي تُمكنها من جعل الصواريخ أبعد مدى وأكثر دقة، عن طريق الجو أو البحر.
ما هو الموقف الملائم بالنسبة للقطاع؟ يجب أن تكون الاستراتيجية واضحة حتى لو كانت صعبة التنفيذ ومعقدة. ويبدو أنه في المستقبل القريب يجب أن تكون اسرائيل العنوان للقطاع كي تقوم بوقف أي محاولة لاطلاق النار أو العمليات «الارهابية» لمنظمات صغيرة أو متطرفين يصعب استهداف البنى التحتية الخاصة بهم. العنوان الوحيد هو «حماس»، ولا يجب التنازل عن هذا العنوان.
في الوقت ذاته يجب التأكد من أن لا تزداد قوة «حماس» الى درجة وضع التحديات أمام اسرائيل، والتي لا يمكن الاجابة عنها. من المهم أن لا تفقد اسرائيل القدرة على بث الرعب في قيادة «حماس» حول مستقبلها إذا قامت باطلاق النار. اسرائيل بحاجة الى «حماس» ضعيفة، لكي يكون باستطاعتها مواجهة التنظيمات المتطرفة في غزة. هذا المنطق واضح والتحدي هو تنفيذه من خلال السير على الخط الغامض.
احتلال أم إعمار؟
هل يمكن التسبب بضرر كبير يهدد وجود «حماس»؟ الاجابة حسب رأيي هي نعم. وهذا الامر يتطلب احتلال اجزاء كبيرة من المناطق المأهولة في القطاع، وتفجير الكثير من الكيلومترات من الانفاق، وقتل القادة، ومعرفة مواقع انتاج السلاح واطلاق الصواريخ وتدميرها، رغم أنها توجد في مناطق مكتظة. والنتيجة لن تكون بسيطة في البلاد وفي الخارج. سيكون هناك الكثير من المصابين في صفوف الجيش ومصابين في القطاع، سواء من نشطاء «حماس» أو المدنيين. وستكون اجزاء كبيرة في القطاع مدمرة، سواء بسبب قصف اسرائيل أو بسبب تفخيخها على أيدي «حماس». ومن الصعب معرفة ما الذي سيتم تدميره بعد تفجير الانفاق، لكن الدمار سيكون كبيرا.
عند انتهاء الحرب سيتم طرح السؤال الأبدي: ماذا بعد؟ هل سيخرج الجيش الاسرائيلي من غزة ويترك جهنم للتنظيمات المختلفة، بدون منظمة قوية تستطيع كبح الآخرين؟ أم أن الجيش الاسرائيلي سيبقى، وتكون اسرائيل هي المسؤولة عن اعمار القطاع، بما في ذلك العبء الاقتصادي المترتب على ذلك والمسؤولية الدولية تجاه كل محتل؟ هذه اسئلة صعبة توضح الوضع الحالي، رغم صعوبة تحديد ما الذي يجب فعله يوميا، والذي قد لا يكون اسوأ من البديل في الوقت الحالي على الأقل.
عن «إسرائيل اليوم»