معركة الأقصى.. نتنياهو يريدها حرباً دينية!!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

احتلت المسألة المتعلقة «بأزمة البوابات الإلكترونية» التي قررت حكومة نتنياهو إقامتها على ابواب المسجد الاقصى رداً على عملية القدس، النقاشات والوساطات منذ اندلاع حرب الإرادات اثر التصعيد الإسرائيلي، نقاش «تفاصيل»، ما حدث من شأنه أن يعيد المسائل الأساسية إلى الخلف، الإغراق في النقاش حول الأخبار المتتابعة ومجريات الأزمة ووسائل حلها قد تؤثر على «الأولويات» الضرورية للوصول إلى منشأ هذه الأزمات وأسبابها، فالمسألة كما نعتقد لا تتعلق بالبوابات الإلكترونية، إلاّ باعتبارها إحدى أدوات الهيمنة الإسرائيلية وكشكل من أشكال وسائل الاحتلال لفرض سيادته. جوهر المسألة يتعلق بالاحتلال أولاً وأخيراً، ما يسمى بأزمة المسجد الأقصى الأخيرة، ترتبط بشكل أساسي، بالأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الدولة العبرية، هذه الأزمة ما هي إلاّ أحد تعبيرات حرب الإرادات بين المحتل ومحتليه على كل الأرض الفلسطينية المحتلة، الدليل على ذلك، أنه في حال تراجعت حكومة نتنياهو عن إقامة البوابات الإلكترونية، فإن «الأزمة» لن تحل، وستبقى طالما ظل الاحتلال، قبل البوابات وبعدها في ظل صراع الإرادات والحرب على السيادة!
تصوير أزمة البوابات الإلكترونية، وكأنها جوهر المشكلة وعمادها، من شأنه أن يساهم، دون قصد، في تأكيد الرسالة التي تحاول الدولة العبرية إرسالها إلى الجميع، أن ما يجري هي حرب دينية بامتياز، والأمر برأينا خلاف ذلك بالتأكيد، حكومة نتنياهو التي تسعى بكل جهد، لتأكيد «يهودية» الدولة العبرية، ستجعل من «الحرب الدينية» إحدى أدواتها لتبرير يهودية الدولة العبرية، خلافاً لجوهر الصراع الذي يتمحور حول البعد القومي لهذا الصراع، حقوقنا في ممارسة شعائرنا الدينية بما في ذلك الصلاة في المسجد الأقصى، لا تلغي الحقوق القومية في وطننا القومي، بل إحدى ترجماته الأساسية، تصدي رجال الدين المسلمين والمسيحيين للهيمنة الإسرائيلية على الأقصى، لا يتوجب أن تلغي دور الساسة، هذا الدور الذي غاب عن الصورة، وكأنما الأمر يتعلق بالمسألة الدينية وليس بالبعد القومي والسياسي لحرب السيادة وصراع الإرادات!
ويلاحظ في هذا السياق، أن كافة الوساطات، السعودية والأردنية والأميركية والتركية وغيرها من الوساطات، لم تزحزح نتنياهو عن قراره المتعلق بالبوابات الإلكترونية، وتزعم أن الجهة الوحيدة القادرة على أن تضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية، هي إسرائيلية ومن داخل الائتلاف الحكومي وأجهزة الأمن، وهذا يشير وبوضوح مؤسف، الى أن كافة هذه الجهات، رغم تأثيرها تصبح عديمة التأثير مقارنة بالأبعاد الداخلية الإسرائيلية، التي هي وليس غيرها، من سيفرض الأشكال الجديدة والبديلة للبوابات الإلكترونية والهادفة إلى تقييد حرية العبادة في المسجد الأقصى، كشكل من أشكال فرض السيادة الاحتلالية على الأقصى كما في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المعادلة التي رسمها نتنياهو بإصراره على المضي قدماً في الإبقاء على البوابات الإلكترونية بعدما اجتمع مع مجلسه الوزاري المصغَّر، هي رسالة ولا أوضح من أنه لن يتراجع، ولن يسمح للفلسطينيين بإحراز أي نصر، حتى لو كان مؤقتاً، في إطار رسالة واضحة أنه باعتباره رئيساً لحكومة إسرائيل من يقرر كيفية ممارسة الاحتلال على المحتلين في ظل سيادة إسرائيلية مطلقة، وأن أي هامش أو مرونة في هذا التعامل فإن ذلك يعود إلى «أخلاقياته وإنسانيته» ومنحه من قبله وقبل حكومته!
وإذا كان لنتنياهو أن يعود عن بواباته الإلكترونية، فإن ذلك يعود بدرجة واضحة إلى مواقف أحزاب ائتلافه المتباينة وقادة الأمن لديه، إلاّ أن مواقف هؤلاء تتحدّد وفقاً لتقاطعات العمل الحزبي من ناحية، ومخاطر الانزلاق في معركة السيادة وصراع الإرادات في ظل هذا التصدي البطولي للشعب الفلسطيني في كل أنحاء الوطن لهيمنة الاحتلال وممارساته. لغة التحدي التي وسمت ردود الفعل الفلسطينية والتي أدت إلى أن تعترف بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الفلسطينيين سيطروا على المشهد وأثبتوا أنهم هم سادة القرار، وأنهم ما زالوا الأقدر على اتخاذ القرارات في إطار صراع الإرادات، ولم يعد هؤلاء إلى الشكوى من ضعف التأييد العربي الرسمي والشعبي، ولا إلى تجاهل المنظمات الدولية وحقوق الإنسان لحقوقهم المشروعة وفقاً للشرعية الدولية، ولم ينتظروا إشادة أو إدانة من هنا وهناك، ذلك أنهم إنما يمارسون خياراتهم الصعبة رغم كل التعقيدات وقهر المحتل المتحكم بعناصر القوة والبطش التي لا يتورع عن استخدامها على الدوام.
حرب الإرادات لم تبدأ بالبوابات الإلكترونية ولن تنتهي معها، طالما أن الدولة العبرية لا تزال تسعى إلى سن القوانين، خاصة تلك التي ستصبح جزءاً من «قانون الأساس» مثل قانون «منع تقسيم القدس» فالحرب كانت مفتوحة ولا تزال، أما الخطوات التفصيلية التي من شأنها تفعيل هذه القوانين على الأرض بهدف خلق وقائع لا يمكن العودة عنها، فهي التي تشكل الخطر الأكبر على القضية الوطنية الفلسطينية باعتبارها تعبيراً عن استمرار الاحتلال في أبشع صوره!!