بعد أيام قليلة من بدء تجربة «كشك الفتوى» فى محطات مترو الأنفاق، جاء فى الامتحان التحريرى للمتقدمين لشغل وظائف مساعد ونائب رئيس مدينة ورئيس وحدة قروية فى ديوان عام محافظة القليوبية سؤال يقيس مدى الالتزام الدينى للمتقدمين، فقد جاء فى الصفحة الثانية من الامتحان، حسب ما ورد فى جريدة «الوطن» أمس الأول، «لو لم تمارس الشعائر الدينية، هل تكون راضياً عن نفسك؟». وكانت الإجابة اختيار ما بين «أوافق» و«أوافق بشدة».
هذا سؤال لا علاقة له بالكفاءة والمهارة والقدرة على أداء العمل، لا علاقة له بالقدرة على تأدية مهام الوظيفة، هذا سؤال ينطوى على حزمة تجاوزات بحق مصر والمصريين والدولة المدنية، بل وإعمال العقل والتفكير ناهيك عن معايير شغل الوظائف العامة فى البلاد. أولاً هذا السؤال يمكن أن يكون منطقياً فى دولة دينية تقوم على أساس دينى ويدين شعبها بديانة واحدة ولا تقبل ولا تسمح بحرية الاعتقاد أو حرية ممارسة الشعائر الدينية إلا وفق ما تحدد.
أو هو سؤال يتوافق وحكم جماعة دينية متشددة ومتطرفة، فلن يكون غريباً ولا عجيباً إذا ما جاء سؤال من هذا النوع فى دولة يسيطر عليها تيار دينى متطرف كالإخوان أو السلفيين. ومن ثم فهو سؤال يناقض أسس الدولة المدنية ويتصادم ومبدأ التعددية، ويقتل مبدأ حرية العقيدة، حرية الرأى والاعتقاد. وثانياً هذا سؤال لا علاقة له بقوانين العمل، فليس فى قانون العمل المصرى أو أى قانون فى أى دولة مدنية بند أو شرط ينص على الالتزام بأداء الشعائر الدينية.
وثالثاً فإن هذا السؤال يكرس حالة التدين الشكلى السائدة فى المجتمع المصرى، يقولون إن الشعب المصرى متدين بطبعة ولا أعلم من أين جاءوا بهذا الحكم، فالشعب المصرى ومنذ زمن طويل أكثر شعوب الأرض حديثاً فى الدين وعنه، وتمسكاً بالطقوس والمظاهر، حتى فى ممارسته للألعاب الرياضية تجد اللاعب يركع طوال الوقت فى حين أنه كان يكفى أن يشكر الله فى قلبه دون أن يمارس سلوكاً شكلياً بات عادة يمارسها الجميع. بل إن حالة الهوس الدينى دفعت مطرباً مغموراً إلى أن يغير فى كلمات قصيدة «الأطلال» للشاعر العظيم الدكتور أحمد ناجى ليقول «لا تقل شئنا فإن الله شاء» بدلاً من «فإن الحظ شاء».
المجتمع المصرى دخل فى نفق التدين الشكلى والهوس الدينى منذ مطلع السبعينات على يد الرئيس «المؤمن» وكلما اعتقدنا أننا فى الطريق للخروج من نفق هذا الهوس الدينى، يأتى الارتداد من الدولة ذاتها، فبنية مؤسسات الدولة بنية دينية، يلفها التعصب والتطرف، تتخذ لنفسها وظائف لا علاقة لها بوظائف الدولة المتفق عليها بين فلاسفة وعلماء النظم السياسية، فمهام الدولة إسعاد المواطن على الأرض، وتوفير الأمن والحماية للمواطنين، وحماية حدود الدولة ومصالحها والدفاع عنها، وتعظيم قدرات الدولة، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة والآدمية لغير القادرين من مسكن صحى مناسب وتعليم مجانى جيد، وعلاج مجانى وفرص عمل أو إعانات بطالة.
لم نجد فى أى كتاب أو نظرية أن للدولة ديناً، فالدولة كائن اعتبارى يقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد والمعتقدات، ولم نصادف من قبل وظيفة للدولة هى مساعدة الإنسان أو إجباره على دخول الجنة، فهذه ليست مسئولية الدولة، بل مسئولية شخصية وحرية مطلقة للأفراد، وكلما زادت مساحة تدخل الدولة فى شئون الإنسان الخاصة كان ذلك مؤشراً على أنها دولة غير ديمقراطية، عاجزة عن القيام بمهامها الحقيقية فتقوم بتوظيف الدين لتخدير الشعوب.
إذا أردنا قطع خطوات على طريق التطور والتقدم وبناء دولة مدنية حديثة لا بد من وقف ظاهرة الهوس الدينى بكل الطرق ومحاسبة من قام بوضع سؤال عن الالتزام بالشعائر الدينية فى مسابقة لشغل وظيفة عامة، أوقفوا الهوس الدينى قبل أن يعصف بنا جميعاً.
عن الوطن المصرية