الأقصى: السيادة لأهل القدس والمعركة لم تنتهِ بعد

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

يستطيع الفلسطينيون عموماً وأهالي القدس وفعالياتها الدينية والسياسية خاصة تنفس الصعداء بعد قرار الحكومة الإسرائيلية إزالة البوابات الالكترونية من بوابات الحرم القدسي، وإن كان الموقف الفلسطيني لا يزال يرفض البدائل التي تقترحها إسرائيل. فالموضوع لم يكن إجراءات أمنية فنية، كما كانت تبدو من وجهة نظر إسرائيليين كثيرين وبالذات كما تم تصوير الأمر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بل هو أساساً تجسيد للصراع حول الحرم القدسي، فالسلطات الإسرائيلية تحاول في كل مناسبة أن تظهر أنها صاحبة السيادة الوحيدة على القدس كلها بما فيها الحرم القدسي، علماً أن الضم الإسرائيلي للقدس مخالف لقرارات الشرعية الدولية منذ العام 1967 وحتى اليوم بما في ذلك قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص الأراضي الفلسطينية 2334، ولا توجد دولة في العالم تعترف بهذا الضم وهذا يشمل حليفة إسرائيل الولايات المتحدة الأميركية.
ولو نظرت إسرائيل للوضع على أنه تقني أمني فحسب فلماذا لم تحاول الحكومة الإسرائيلية بحث الموضوع مع الأردن والسلطة الفلسطينية والأوقاف.
والحقيقة أن حكومة نتنياهو تعاملت مع المسألة باعتبارها قضية سيادية ولا دخل لأحد فيها كما عبر عن ذلك وزراء في الحكومة وأبرزهم وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان. والتصريحات المتطرفة التي صدرت عن مسؤولي إسرائيل لا تبقي مجالاً للشك بأن الموضوع سياسي بدرجة أولى قبل أن يكون تقنياً.
المعركة حول الأقصى لا تنتهي قبل التوصل إلى حل سياسي للقضية، وطالما تصر إسرائيل على استمرار ضم القدس واعتبارها موحدةً عاصمة إسرائيل.
والادعاء أن إسرائيل لا تريد تغيير الوضع الراهن هناك هو غير صحيح، فقد تغير العام 1980 بعد السماح لليهود بالدخول إلى باحات الأقصى، ولولا المعارضة الشديدة لسمح لهم بالصلاة هناك وربما لأقاموا كنيساً في المكان، ولا شك بأن هذا يمثل حلماً لجهات يمينية متطرفة تريد السيطرة التامة على الأقصى، على الرغم من معارضة التيار الديني الحريدي الذي يرى في صعود اليهود إلى باحات الأقصى تدنيساً غير مسموح به لليهود، وحسب الرواية الدينية فالهيكل الثالث يأتي من السماء والله وحده يقرر متى وأين.
ربما كان من حظ نتنياهو حصول حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان والتي حصلت بعد إقدام حارس الأمن في المسكن التابع للسفارة على قتل مواطنيْن أردنيين بحجة إقدام عامل على مهاجمته، فالغضب الأردني وحصار السفارة وإصرار الأردن على التحقيق مع الحارس الإسرائيلي أدى إلى التدخل الأميركي وحصول صفقة بموجبها تم السماح للحارس بمغادرة الأردن بعد التحقيق معه.
والصفقة شملت إزالة البوابات الالكترونية من مداخل الحرم القدسي، وهذا كان سلم النزول عن الشجرة الذي كان نتنياهو بحاجة إليه للتراجع بعد أن أيقن أنه لا يمكن الاستمرار بوضع البوابات والحصول على هدوء واستقرار أمني، بل على العكس كانت الأمور ذاهبة إلى المزيد من التعقيد والتصعيد.
ربما يكون جهاز "الشاباك" الإسرائيلي والجيش هما أكثر الجهات معرفة بالواقع في الأراضي الفلسطينية، ومشكلة نتنياهو أنه لم يستجب إلى موقفهما الذي كان معارضاً للبوابات والذي حذّر الحكومة من استمرار وجودها، وطالب بإزالتها، ولو أن نتنياهو تصرف كرئيس حكومة مسؤول لما خضع للأطراف اليمينية التي ورطته واضطر في النهاية للتراجع تحت وطأة الأحداث الدامية.
وما حصل لنتنياهو والحكومة هو درس قاسٍ لابد أن يتعلم منه أن السيادة الفعلية في الأقصى هي للمقدسيين، وأن لاشيء يمكن أن يمر دون موافقتهم وقناعتهم بأنه لا يشكل أي تغيير للوضع الراهن.
ومع الدرس الإسرائيلي هناك درس فلسطيني لا يقل أهمية وهو ضرورة الحديث بصوت عالٍ وبجرأة ضد كل ما من شأنه المساس بالأقصى وتوفير ذريعة للإسرائيليين لمحاولة تغيير الأوضاع الموجودة هناك، من قبيل إدخال السلاح إلى باحات الأقصى وتنفيذ عمليات في هذا المكان المقدس، وهذا ينطبق على عملية باب الأسباط وعملية باب العمود في رمضان، فالسلاح الإسرائيلي كما الفلسطيني يجب ألا يدخل إلى هُناك مهما كانت الأسباب، ولسنا بحاجة لدفع ثمن باهظ للحفاظ على الأقصى والحفاظ على الوضع الراهن.
قد تكون التطورات في القدس مناسبة للجميع لإعادة تقييم الأوضاع، فالشيء المؤكد هنا أن المنطقة لا تقبل الجمود ولا توجد حالة فراغ يمكن أن تستمر إلى مالا نهاية، والأوهام الإسرائيلية بتغيير الواقع على الأرض والحصول على الأمن والاستقرار هي محض تفكير عقيم لا ينم عن معرفة بطبيعة الشعب الفلسطيني، الذي لا يمكن أن يصمت لفترة طويلة على تهديد حلمه ومطامحه وحقوقه الوطنية.
وعلى الإدارة الأميركية أن تتحرك بسرعة لإنجاز التسوية السياسية، فالأوضاع المحتقنة التي نعيشها لا تقبل التأجيل وليس هناك متسع من الوقت لإضاعته في الانتظار، حتى لو كانت هناك عملية دراسة تقوم بها، فهي لم تأت من فراغ، وهناك خبراء كثر في أميركا يعرفون تماماً كل التفاصيل.
والمطلوب هو التحرك السريع وقبل كل ذلك حسم فكرة الذهاب لعملية سياسية محددة المعالم والهدف والجداول الزمنية، ولتبدأ من القدس مثلاً أو من الحدود والأمن، المهم أن يتحرك شيء ويعاد الأمل للناس بمستقبل أفضل وأفق سياسي جديد.