يتصرف أغلبية الإسرائيليين في سلوكهم البشري مشدودين ومسكونين ومدفوعين بتأثير عاملين متلازمين هما :
أولاً : الخوف والحذر والقلق والرهبة والإحساس بالخطر من الآخر، سواء كان فلسطينيا أو عربيا، مسلما أو مسيحيا، إحساساً منه أنه مستهدف مكروه، والآخر يحمل معاداة السامية، يكره اليهود، ولذلك فهو في حالة يقظة دائمة، مستنفر ومتوتر، يده على الزناد، إذا لم يبادر بالقتل فهو مقتول، ويكبر هذا الإحساس ويتسع وترتفع وتيرته وسلوكه لدى الجنود وأجهزة الأمن والمستوطنين المتدربين عسكرياً وأمنياً، وهذا ما يُفسر قتل الجنود والشرطة وأجهزة الأمن للشباب والشابات الفلسطينيين، في مناطق 67، في القدس والضفة الفلسطينية، وكذلك في مناطق الاحتكاك والاشتباكات في المدن والقرى الفلسطينية في مناطق 48 ، وهذا ما يفسر قتل حارس أمن السفارة الإسرائيلية في عمان لمواطنيّن أردنيين ، بدون أن يتعرض لأدنى مظاهر الخطر على حياته ، فمبادرة القتل تمت من طرفه فقط .
أما العامل الثاني : فهو الإحساس الإسرائيلي بالتفوق والعنصرية والعداء للأخر وكره كل ما هو غير يهودي، سواء كان فلسطينيا أوعربيا أو مسلما أو مسيحيا، فالثقافة والتربية العقائدية والسياسية والعملية الصهيونية شوهت نفسية الإسرائيلي، ودفعت به كي يتصرف بكره نحو الآخر، تدفعه لأن يتصرف باستهتار نحو حياة الآخر، خاصة عندما يجد مظلة رسمية حكومية تحميه كما يفعل نتنياهو ورافعة أميركية تقويه ، كما فعل الرئيس ترامب في التعامل مع قضية حارس السفارة الإسرائيلية الذي تصرف بإستهتار ، وبدون أي حس بالمسؤولية نحو الأخر ، رغم انهما من المدنيين العزل ومع ذلك رغم جريمته تم إستقباله من قبل نتنياهو بإعتباره بطلاً حقق فوزاً وتفوقاً إسرائيلياً على الأردنيين ، مع أن قضيته وتصرفه الجرمي ذات طابع وسلوك جنائي تم تجييره من قبل نتنياهو بهذا الصلف والإستهتار والعنجهية .
الإسرائيلي تأثر بثقافتين متناقضتين دمرت سلوكه الإنساني السوي أولها ثقافة النازية المعادية لليهود، وثانيها ثقافة الصهيونية المعادية للأخر غير اليهودي، والباقي تفاصيل؛ لأنه يعيش حالة حرب وعداء دائمين، ولديه قناعة أنه إذا تهاون فسيكون مهزوماً منبوذاً مقتولاً .
إقامة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض فلسطين، ونجاح خطواته المتتالية في احتلال أراضي ثلاثة بلدان عربية وفشلها في هزيمته للآن، جعلته يعيش حالة الغرور والإحساس بالتفوق، وهو شعور، ليس مقتصراً على الإسرائيلي، بل عاشته شعوب كثيرة فرضت قوتها ونفوذها وسيطرتها على شعوب أخرى، قبل أن تبدأ بالتراجع ومن ثم الهزيمة، كما حصل للإمبراطوريات الرومانية والفارسية والإسلامية العربية والعثمانية والبريطانية والفرنسية والسوفيتية وأخيراً الأميركية، وهي حينما تصل للتبجح والعنترية ومعاملة الآخر باضطهاد ودونية تحمل بدايات تآكلها الداخلي قبل انهيارها وهزيمتها .
المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي في ذروة قوته وعنفوانه وغروره وتسلطه، وما سلوك أفرداه سوى انعكاس لهذه الحصيلة من المعطيات، والتي لن تستمر ولن تتواصل وتبقى محافظة على تفوقها كما حصل لكل الإمبراطوريات والشعوب والبلدان التي تفوقت ثم ذوت وتلاشى تمايزها عن الآخرين، نتيجة انحسار قيمتها الأخلاقية والإنسانية وعدم معاملة الآخر باحترام وندية وشراكة .
ونحن اليوم في هذا الزمن الصعب، ندفع ثمن ضعفنا، دولا ومؤسسات وأفرادا، ونفقد كرامتنا ليس رغبة أن نبقى أسرى الضعف والهوان، بل لأننا لم نمتلك بعد القدرة على أن نتحرر من العجز في الموازنة، ونتخلص من المديونية، وحاجتنا لمساعدات الدول المانحة التي تتصرف معنا من علٍ، وطالما لا نملك قرارنا الاقتصادي ومن ثم السياسي، ولم نملك بعد شجاعة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع في إدارة مؤسسات الدولة، ولم نحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي توفر خدمات ضرورية من تعليم وصحة وعلاج وسكن للمواطن العربي، طالما لا نملك ذلك، سنجتر الهزيمة والهوان والدونية، ولكن حينما نتحرر من كل هذا الضعف، عندها، وعندها فقط نملك القدرة على مواجهة عدونا الوطني والقومي والديني : المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي لا عدو لنا غيره، الذي يحتل أرض العرب، ويسرق حقوقهم في مواردهم الوطنية، ويتطاول على كرامتهم هنا وهناك وفي كل مكان، هل نفهم ؟ هل ندرك ؟ هل نستوعب؟، حينما نفهم وندرك ونستوعب ..... سننتصر .