انتصرت الإرادة الشعبية الفلسطينية فى القدس وفشلت إسرائيل. رضخت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة للضغوط الشعبية والغضبة الهادرة التى اجتاحت الأراضى الفلسطينية بما ينذر بانتفاضة عابرة للحدود والقارات والتى طالبت بإزالة البوابات الإلكترونية التى وضعتها أجهزة الأمن الإسرائيلى على باب الأسباط بعد عملية المسجد الأقصى. تراجعت إسرائيل وسط معارضة شديدة من بعض أعضاء المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر «الكابينيت» على قرار الإزالة، هذا التراجع لم يكن إذعاناً تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية فقط، إنما جاء لما هو أبعد من ذلك بعد أن وضع جهاز الأمن العام الإسرائيلى «الشاباك» سيناريوهات مرعبة -على حد قول القناة العبرية الثانية- فيما لو أبقت حكومة الاحتلال على البوابات، فقد عرض ممثلو جهاز الشاباك عدة سيناريوهات يمكن أن تفجر المنطقة من جديد. والمدهش أنها لاقت تأييداً من قيادة الجيش الإسرائيلى أيضاً، ما زاد من خشية «الكابينيت» من تدهور الأوضاع.
السيناريو الأول هو احتمال أن تندلع انتفاضة جديدة، والسيناريو الثانى أن تشارك حركة فتح فيها بقوة ويستخدم مقاتلوها الأسلحة، خاصة فى الخليل، فيما يشمل السيناريو الثالث فى حال بقاء البوابات والكاميرات وتصاعد الأوضاع أن تتجه نحو حرب مع حزب الله فى الشمال ما سيكلف الجيش الإسرائيلى الكثير من الأعباء فى الوقت الحالى، خاصة أنه لا يرغب فى التصعيد، فى حين أن السيناريو الرابع هو احتمال تشكيل اتحاد غير عادى من العالم الإسلامى يشمل إيران وتركيا ودولاً كبيرة. لكن يبدو أن إسرائيل وضعت فى الاعتبار أيضاً الاتصالات التى جرت مع العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى والاتفاق الذى توصل إليه مع نتنياهو ويقضى بإزالة البوابات الإلكترونية مقابل الإفراج عن طاقم السفارة الإسرائيلية فى عمان بمن فيهم الضابط المتورط بقتل اثنين من الأردنيين.
تعودت إسرائيل على افتعال الأزمات إرضاءً لغرور حكومة اليمين المتطرف التى يقودها بنيامين نتنياهو، والمخططات الإسرائيلية تجاه القدس قديمة متجددة تسير بشكل تدريجى يحاولون بها جس نبض وردود فعل الفلسطينيين، غير أن هذه المرة تختلف عن كل ما سبقها من إجراءات قمعية قامت بها سلطات الاحتلال بغية تغيير الأمر الواقع وبالذات فى القدس تمهيداً لتهويدها وفرض سيادتها الكاملة عليها وبناء جبل الهيكل المزعوم وجعلها العاصمة الأبدية لإسرائيل، فقد فاجأت الهبَّة الشعبية الفلسطينية إسرائيل حين اتحدت جميع أطياف الشعب الفلسطينى سواء كانت السياسية أو الجماهيرية، وأربكت قادتها وظهر ذلك جلياً فى خلافات المجلس الوزارى المصغر وانقسامه على نفسه بين مؤيد لإزالة البوابات ومعارض للقرار، وسط خشية من موجة عنف جديدة بزخم شعبى أكبر تفضى لتفجر الأوضاع المحتقنة أصلاً بسبب التضييق الإسرائيلى والإجراءات التعسفية فى كل مناحى الحياة خاصة فى القدس، ما يوفر بيئة خصبة لاندلاع انتفاضة وقودها الغيرة على المقدسات الإسلامية واستباحة حرماتها بما يصعد من حدتها واستمرار زخمها، فى وقت لا تريد فيه إسرائيل التصعيد أو الدخول فى مواجهة مع انتفاضة جديدة غير محسوبة العواقب.
لقد أقدمت إسرائيل على خطوة إزالة البوابات الإلكترونية معتقدة أنها تنازل كبير من جانبها سيسهم فى عودة الهدوء واستقرار الأوضاع، إلا أن الإصرار على التصعيد من قبل المرجعيات الدينية المقدسية خصوصاً والفلسطينيين عموماً يبدو مستمراً، حتى يعود الوضع لما كان عليه قبل الرابع عشر من الشهر الحالى، فاستبدال إسرائيل بالبوابات الإلكترونية الكاميرات الذكية هو مجرد التفاف وتحايل على الموقف، خاصة فى ضوء قرار المجلس الوزارى المصغر بتنصيب بوابات حديدية تستند إلى تكنولوجيا متقدمة كبديل للبوابات الإلكترونية الكاشفة للمعادن فى المستقبل القريب وخصص لها ميزانية ضخمة، ظناً منه بأنه قد ينجح فى تهدئة النفوس فى المنطقة بأسرها، إلا أن هذه البدائل ليس لها أهمية ما دامت تعارضها دائرة الأوقاف الإسلامية وترفضها الجماهير الفلسطينية والمرابطون فى الأقصى الذين يصرون على التصعيد لقناعتهم بأن إسرائيل ما زالت تصر على موقفها وتقوم بالدور الذى أرادته لنفسها وهو فرض السيادة الكاملة على المسجد الأقصى، يصر المرابطون على استمرار وجودهم فى المسجد الأقصى ومحيطه والتصعيد إلى أن تتم إزالة كل أثر وضعه الاحتلال لأنه يصادر حرية المصلين ويرسخ لسيادة دولة الاحتلال على القدس الشرقية التى طالما سعت للوصول إليها، لقد أثبت المرابطون فى الأقصى أنهم الحصن الشامخ العصى على الانكسار يقف سداً منيعاً فى وجه القمع الإسرائيلى حتى تحقيق أهدافهم وتنفيذ مطالبهم بتطهير الأقصى وساحاته من دنس الاحتلال.
عن الوطن المصرية