معركة الأقصى السلمية: هل يمكن التعميم؟

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

أثار الانتصار الذي تحقق في معركة الأقصى، والذي بموجبه اضطرت الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن إجراءاتها أحادية الجانب في الحرم القدسي، إعجاباً كبيراً بالنموذج السلمي الذي اتبع في النضال من أجل دفع حكومة بنيامين نتنياهو لتغيير موقفها بشأن البوابات الالكترونية والكاميرات والمنصات والحواجز الحديدية.
فلم يفعل الفلسطينيون في القدس سوى رفض الأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه، ورفضوا بالتالي الدخول عبر البوابات الالكترونية وفضلوا الصلاة والاعتصام خارج الحرم وصنعوا حالة نضالية شعبية عظيمة وغير مسبوقة في وقت لا أحد يتوقع نجاح أسلوب الكفاح الشعبي أو حتى إمكانية التزام الناس به.
ولكنّ الاستجابة الواسعة من كل أطياف الشعب والمواظبة والانضباط الكاملين حققا أهم عوامل النجاح.
تدور الآن تساؤلات في أوساط الفلسطينيين الذين يتبنون أسلوب النضال الشعبي السلمي بشأن إمكانية تعميم التجربة على نماذج أخرى من المواجهة مع سياسة الاحتلال على سبيل المثال في مكافحة الاستيطان ومصادرة الأراضي والتصدي لعربدة المستوطنين، وهذه تساؤلات محقة وفي مكانها، وقبل محاولة الإجابة عنها لابد من ملاحظة أن قضية القدس وبالذات المسجد الأقصى لها حساسية خاصة ومكانة مهمة لدى كل الفلسطينيين تختلف عن أية قضية أخرى يمكن أن تنتظر ويمكن أن تحل على نار هادئة.
ليس فقط لقدسية المكان ومحوريته لدى المسلمين جميعاً في فلسطين وخارجها، بل كذلك لأن إسرائيل لا تخفي نواياها بشأن المدينة ولا بشأن السيطرة على الحرم القدسي وتغيير الواقع القائم هناك على الرغم من ادعاءات الحفاظ على الوضع الراهن التي يطلقها نتنياهو ليل نهار.
وعلى الأقل هناك ثلاثة وزراء في حكومته أعلنوا رغبتهم في تقسيم المكان والسماح لليهود بالصلاة فيه ومنهم من ذهب إلى الدعوة إلى هدم الأقصى وبناء الهيكل اليهودي الثالث مكانه كالوزير أوري أريئيل من حزب "البيت اليهودي".
الشعب الفلسطيني يشعر بقلق شديد على هذا المكان المقدس ولا يزال ماثلاً في ذهنه ما حصل للحرم الإبراهيمي الذي استولت إسرائيل عليه وقسمته نتيجة لعملية إرهابية أقدم عليها يهودي عنصري متطرف اسمه باروخ غولدشتاين، يعني أنه جرى تقسيمه دون أي مبرر سوى ما كان في رأس الساسة الإسرائيليين.
فما بالنا بالقدس والأقصى الذي نواياهم تجاهه معلنة وغير مخفية وهم يعتبرون أنفسهم أصحاب السيادة الوحيدة عليه بعد ضم القدس الشرقية واعتبارها موحدة عاصمة لإسرائيل.
والشيء الآخر الخاص بمسألة القدس هو النظر إليها كرمز وطني وديني مقدس لا يوجد أي خلاف حوله ولا يمكن لأحد أن يتخاذل في التعاطي مع موضوعه، وهي تختلف مثلاً عن النظر لقضية مصادرة أراضٍ هنا أو هناك، فبالرغم من اعتبار المسألة وطنية إلا أنه التعامل معها يجري في الإطار المحلي أكثر، ويبدو صعباً أن يتم جمع عدد كبير من الشعب الفلسطيني في مواجهة مسألة محصورة في مكان ما، خاصة بعد تراجع دور الفصائل الوطنية والإسلامية على السواء وتراجع قدرتها على تأطير وتنظيم الجماهير في مواجهات كبرى حاشدة كما حصل في القدس.
أما المميز في معركة القدس فهو الخروج التلقائي للناس وشعورهم العميق بضرورة حمايتها من العدوان وأن الأمر ملح لا ينتظر التأخير، وتقدمت جماهير القدس على التنظيمات والفصائل والقيادات من كل الألوان، التي اضطرت لمواكبة موقف الجماهير وصمودها وحركتها الشجاعة المتحدية.
وهي من ألهمت القيادة لاتخاذ موقف ذهب أبعد من المتوقع بوقف التنسيق الأمني وعلاقة مع الجانب الإسرائيلي.
من الصعب تصور تعميم التجربة في قضايا نضالية أخرى بقرار من الفصائل أو لجان شعبية أوغيرها لأن الاستجابة الشعبية ستكون مختلفة ولن تكون واسعة كما حدث في مناسبات كثيرة مثل ذكرى النكبة وعدوان حزيران وغيرها من المناسبات الوطنية، ولكن الذي يمكن أن يحدث دون تخطيط قد يفاجئ الجميع، بمعنى أن رد الفعل الشعبي قد يكون قوياً وشاملاً من حيث لا يتوقع أو يخطط أحد إذا ما نجحت إسرائيل في إغضاب الناس ودفعها للشعور بالخطر، وهذا ليس بعيداً على حكومة نتنياهو التي رفضت توصيات الجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك"، اللذين توقعا رد فعل شعبي جارف قد يقود إلى انتفاضة شاملة، وذهبت نحو الاستجابة لتوصيات الشرطة المحكومة بموقف وزير الأمن الداخلي اليميني المتطرف غلعاد أردان.
أي أن السياسة الداخلية والتنازع على أصوات اليمين قد يقود إلى تدهور خطير في الوضع.
والآن إسرائيل الرسمية تهتم فقط بصحة الرئيس أبو مازن ومن يمكن أن يخلفه فيما لو حصل له مكروه، ولكنها لا تفكر إطلاقاً بمآلات الأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
القيادات الوطنية والشعبية عاجزة عن إقناع الشارع بالمضي خلف شعاراتها ومواقفها بما في ذلك دعواتها للخروج والمشاركة في المسيرات والاعتصامات ولعل تجربة إضراب الحركة الأسيرة التي تحظى بإجماع شعبي هي خيرر نموذج على الفجوة بين الناس والفصائل.
وعلى هذه الأخيرة أن تفحص نفسها وتفحص صلتها وعلاقاتها بالمواطنين وقبل كل شيء تفحص سلوك قياداتها إن كانت تريد ترميم العلاقة مع الشارع وقيادته.