سميح خلف
منذ 1300 سنة من قبل الميلاد كان هناك الفرعون الذي قاد مصر وكان أول الموحدين ، الذي آمن أن هناك شئ هو أقوى من عبادة الشمس ، أحب السلام ، وأعطى له ما يملك ، صفح عن أعداءه ، أتهم بالجنون ، أتهم بالتفريط ، أتهم باللامبالاة لما يحدث داخل طيبة ، وعلى حدودها .
لا استذكر هنا التاريخ أو أقوم بسرده ولكنني أعيد من المشاهد الكبيرة بعض المشاهد الرئيسية وعناصرها من هذا التاريخ ، قضية التآمر السياسي او الانقلاب السياسي ، الهادئ والمبهم والتي لا تثير فيه أصابع الاتهام لكبار القوم ومن حوله .
اخناتون صاحب نظرية التوحيد والسلام الاجتماعي وعودة إليه مرة أخرى ، تآمرت عليه أخته وتآمر عليه رئيس الحرس الذي أتى هو به ، ورحل الطبيب الشاب الصغير إلى بابل لغضب اخناتون عليه وهو صديقه أيضا ، هذا الطبيب الذي وضعته أمه في سلة في النهر ومن ثم أصبح كبير الأطباء بعد أن دار في الغربة وتمرغ في أوحالها وخرج من تلك الغربة طبيب مشهور يعالج كبار المسؤولين والقادة .
في بابل تعرض كبير القادة إلى مرض فتاك فأتوا بهذا الطبيب ليعالجه وقال له كبير القادة إننا بصدد هجوم على دولة طيبة ، فهل ستنجح العملية التي تجرى لي ام لا ، فقال له واحد من خمسة فقال له كبير القادة إذا مت سيتقلك حراسي وإذا شفيت أطلب ما تشاء ، فقال له كبير الأطباء قد وافقت وأجرى له العملية بنجاح فقال له أطلب ما تشاء ، فقال له اريد هذا السيف ، فاندهش كبير القادة من طلبه وقال له هذا ما طلبت ، فقال له نعم .
فقال لمعاونيه أعطيه إياه .
بعد حصوله على السيف ، رحل إلى مصر مرة أخرى ليطلب صديقه قائد الجيش الفرعوني الصفح عن الطبيب الذي هو صديقه ، فقال له الفرعون اخناتون لقد صفحت عنك ولكن ما الذي أتى بك أيها الطبيب ؟ فقال له ان الحيثيين يمهدوا لغزو طيبة بأسلحة فولاذية من السيوف والرماح ، فقال قائد الجيش إن أسلحتنا من النحاس ولا تستطيع مواجهة هذا التطور في الأسلحة وطلب من اخناتون أن يعد جيشا كبيرا ويهاجم الحيثيين ، ولكن اخناتون رفض الطلب وأجله لحين استطلاع الأمر من الولايات ، وحين إذ اتهم اخناتون بالجنون وقرروا إقصاءه وإبعاده ، فطلب قائد الجيش و شقيقة أخناتون أن يضع له السم بحيث يحدث الانقلاب على الفرعون الموحد دون إثارة او انعكاس على قائد الجيش ، قام الطبيب بوضع السم في كأس على أمل أن يصبح هو أيضا الفرعون القادم بالتحالف مع شقيقة الفرعون التي أثبتت له صحة نسبها ونسبه للفرعون السابق لأخناتون ، وقدم السم فعلا لأخناتون الموحد صاحب نظرية السلام الاجتماعي ، ومات فرعون (( اخناتون )) بيد ممتدة إليه من صديقه كبير الأطباء ، مات وهو بين ذراعيه وهو يتلفظ ألفاظ الوفاء لهذا الصديق الطبيب ، وسريعا ما تغيرت بانوراما الأحداث لينصب قائد الجيش نفسه فرعون على طيبة ، وقاد الفرعون الجديد الذي هو قائد الجيش السابق حملة من التطهير على كل الموالين والمناصرين لأخناتون ولقضية التوحيد ، حيث شردوا وقتلوا وأقصوا من مواقهم ، أما كبير الأطباء فقد نفي للأبد فكان ماله إلا أن يسجل التاريخ والأحداث للأجيال القادمة .
اخناتون الذي اغتالته معطيات الصراع السياسي في طيبة واغتالته مبادئه السامية والرفيعة قبل 1300 سنة من الميلاد ، فتك بمملكته ومبادئه وبثوابته ، وفتك برعيته ، هكذا هي طبيعة الصراع لم تتغير بتغير الزمن ، فالصراع السياسي يقضى على كثير من أبطال الأمة ويقضى على الكثير ممن يحملون مبادئ خلاقة نحو السلام والعدل والمساواة والحقوق ولو كان بواسطة السم او الاغتيال الدموي او الاغتيال السياسي او العزل والحصار تأليب جيش من المنافقين عليه.