مصطفى ابراهيم
معركة التحرير تحتاج إلى صواريخ إستراتيجية من نوع آخر، صواريخ إنسانية وخدماتية، صواريخ كتلك التي برعت حركة حماس والمقاومة في تطويرها وعززت من قدراتها وإمكاناتها وإستطاعت تشكل توازن الى حد ما مع إسرائيل.
صواريخ تُمكن الناس من التشبث بالأرض والمكان ويشكلوا حاضنة حقيقية لمشروعهم الوطني، ودفعهم للبقاء والدفاع عن مكتسباتهم. وبالإمكان أن يكون أفضل مما هو كائن، ولا نزال قادرين على القيام به، غزة تعاني أزمات حادة ومتلاحقة وغياب مشاريع إستراتيجية تعزز من صمود الناس فيها، وغيابها حول حياة الناس إلى جحيم ويعانون الأمرين منذ عشر سنوات ولا مستقبل واضح لوضع حد لهذه الأزمات، وفي مقدمتها أزمتي الكهرباء والمياه، وغيرها كثيرة من الأزمات لا مجال لحصرها.
المسؤول عن قطاع غزة حركة حماس التي تحكم غزة، ومسؤولة عن تفاصيل التفاصيل في حياة الناس وهي برعت في تشكيل جهاز إداري تقني، تحول مع الوقت إلى بيروقراطي ووزارات مختلفة، وجهاز شرطة وأجهزة أمنية متعددة قوية تفرض سطوتها وسيطرتها، وتحاول المزاوجة بين السلطة والمقاومة، ولم تنجح في السلطة، ونجحت إلى حد ما في التأسيس لمشروع المقاومة وهو بحاجة إلى رافعة وطنية لتعزيز صمود الناس، إلا انها لم تنجح في الجمع بين الاثنتين.
ولم تنفذ حل واحد للأزمات الإنسانية الكبرى أو حتى تطمئن الناس بالقول والمحاولة، وتتذرع بالحصار وتآمر السلطة الفلسطينية عليها، وعشر سنوات من الإدعاء أن السلطة وإسرائيل تريدان تقويض مشروع المقاومة، ومشروع حماس، وفصل غزة عن الضفة وتعزيز الإنقسام، ومن يعززه هي وحركة فتح، وهما يبحثان عن مشاريعهما ومصالحهما. حماس لم تفكر بوضع سياسات وطنية وإستراتيجيات وحلول جذرية لأزمات قطاع غزة.
حماس في بداية سيطرتها على القطاع إجتهدت ووضعت خطط إستراتيجية عشرينية وخمسية في الزراعة، وغيرها من الخطط الوزارية التي لم تنجح، وتمارس سلطاتها والصرف على أجهزتها الحكومية من خلال الإعتماد على الموارد المحلية، وجباية الضرائب والرسوم الباهظة من شعب يعاني البطالة والفقر وغياب سوق العمل ويعيش على الكفاف. وهي غير مستعدة للصرف على مشاريع خدمية من مال الحركة الحر حتى لتعزيز موقفها أمام الناس وقدرتها على البقاء والإستمرار.
وكثير من المسؤولين في الحركة قالوا إن هناك ألاف الحلول للتغلب على الحصار والأزمات، ولم نرى حل واحد بإقامة مشاريع إنسانية إستراتيجية كأزمتي الكهرباء والمياه، وكأن حماس إستسلمت أو استمرأت العيش على جيوب الناس.
حماس فشلت ولا تزال في حل أزمة الكهرباء، ولم تفكر أو تبحث في حل أزمة الكهرباء والمياه، وإعتمدت على حلول الناس الفردية وإبداعاتهم في التغلب على مشكلة الكهرباء بوسائل مختلفة، ودفعوا أثماناً مادية باهظة، ولم تفكر في إنشاء محطة تحلية مياه البحر وهي تدرك ان محطة إستراتيجية واحدة لتحلية مياه البحر تكلف عشرة ملايين دولار تساهم بحل أزمة المياه.
لم نتعلم من عدونا الذي برع في تحلية مياه البحر وأصبحت إسرائيل من أكبر دول العالم ورائدة في هذا المجال ومُصدر رئيسي للمياه المحلاة من البحر، غير أن حماس لم تبادر بالدفع من مالها وموازنتها الخاصة أو حتى عن طريق تشجيع المستثمرين وتوفير ضمانات لهم باسترداد اموالهم.
ما أقوله ليس طوباوياً، إنما بالإمكان فعله والإستثمار في توفير الحد الأدنى من الخدمات الإنسانية، وحماس تستطيع ذلك، غير أنها لا تزال تبحث في حلول خارجية آنية تخلصها من أزماتها، ولا تحل أزمات غزة الإنسانية للمواطنين الذين فقدوا الأمل في كل شيئ وطني وجميل.