ما زال الأقصى يعطي مفاعيله

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

ما زال النصر الذي حققه أهل القدس ومعهم كل أهل فلسطين يعطي مفاعيله على أكثر من صعيد ومستوى، وما زال أيضاً يؤكد على استخلاصاته وعبره. ما زال يؤكد أن المعركة الأخيرة التي تحقق فيها النصر ليست المعركة الأخيرة حوله في الحرب الدائمة التي تخوضها دولة الاحتلال وقواها الاحتلالية حوله وحول القدس كلها. القيادة السياسية لدولة الاحتلال تسعى لتجاوز خسارتها وربما التعويض عنها وتحسين صورتها أمام أغلبية جمهورها الذي يصف أداءها بالتسرع والتخبط، ويصف خضوعها بالانهزامية. في سعيها هذا، سحبت من أدراج ذاكرتها الاحتلالية ونفضت الغبار عن مشروع إلحاق وادي عارة ببلداته وقراه وسكانه باراضي السلطة الوطنية مقابل ضم مستوطنات كبرى الى ملاك مدينة القدس، بما يصب لصالح تحقيق الهدف الاحتلالي لإنقاص نسبة الفلسطينيين في عموم القدس الى 13% بدلا من 40% كما هي عليه الآن. المشروع كان قدمه منذ سنوات وزير الحرب ليبرمان وهو بكل المعايير الدولية والإنسانية مشروع فصل عنصري/ أبرتهايد وفاشي أيضاً. والى جانب المشروع تسير عربة الاستيطان بتسارع عالٍ، بالذات في مناطق القدس وما حولها. والى جانبه ايضا تشهد اقتحامات اليهود لحرم المسجد الأقصى ارتفاعاً غير مسبوق برعاية وحماية قوات أمن الاحتلال. المعركة الاخيرة، بقدر ما سلطت الضوء على «الدين الوطني» ودوره التحرري والمقاوم من خلال الدور البارز الذي لعبه رجال الدين في قيادة وتوجيه المعركة، فإنه اعاد الاعتبار الى المقاومة الشعبية واعادها الى صدارة المشهد. خصوصاً وان المقاومة كانت موحدة وجذرية وغير مساومة وتحظى بالتفاف كل الشعب الفلسطيني حولها. وخصوصا ايضا انها( المقاومة الشعبية) جاءت بعد سنوات من التغييب لصالح نهج المفاوضات السياسية، وسنوات من خصخصة المقاومة (المسلحة منها بالذات) وإبعادها عن الفعل والمشاركة الجماهيريين وتحويلها الى تشكيلات شبه نظامية تحمي سلطة أصحابها القائمة وتدافع- ببسالة اكيدة - ضد اعتداءات الاحتلال. المعركة الأخيرة والانتصار فيها، شجع ودفع الى واجهة الاهتمام الشعبي ضرورة تفعيل نظامنا السياسي العام وفي المركز منه وحدة أدائه النضالي وإنهاء حالة الانقسام التي تطبق على صدره وأنفاسه منذ سنوات. المبادرة الأولى في هذا المجال جاءت من الرئيس ابو مازن، وجوهرها الطلب من حركة حماس حل الهيئة الإدارية لقطاع غزة التي شكلتها كحكومة امر واقع لإدارة قطاع غزة، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة حكمها لقطاع غزة. ومع الطلب وعد/ التزام بوقف الاجراءات التي اتخذتها السلطة وعودة الامور والموازنة الى ما كانت عليه. يوم الخميس الماضي 3/8 خرج حراك « وطنيون لانهاء الانقسام» بـ «نداء القدس» وقعه اكثر من 200 شخصية وطنية. لا يختلف النداء مع جوهر مبادرة الرئيس ولكنه يضيف اليها مطالب أُخرى وآليات عمل. حركة حماس وكأنها تعمل بقاعدة «هبة باردة... هبة سخنة» ما يدفع البعض الى الوهم بوجود تجنحات في صفوفها. في الهبة الباردة، هبة نسيم الصباح، تبدي حماس مد اليد لكل اشكال التعاون، وتبدي استعدادها المبدئي لمطلب حل الهيئة الادارية وتمكين حكومة الوفاق من ممارسة حكمها لغزة، وتقدم مبادرات. لكنها في هبتها الساخنة، هبة قيظ ظهيرة الصيف الحارقة، تحمّل استعدادها المبدئي ومبادرتها باشتراطات عديدة يبدو بعضها وكأنه تعجيزي. وتضيف اليها مطالب غير واقعية مثل طلب دعوة «الإطار القيادي الموحد» للاجتماع وبقائه في حال اجتماع دائم وكأنها تضعه كقيادة موازية او بديلة للمنظمة وللسلطة الوطنية، وتقوم بممارسات استفزازية مثل عقد جلسة للمجلس التشريعي بأعضائه من غزة فقط. اهم ما في حراك «وطنيون لانهاء الانقسام» وهو يستلهم صمود اهل القدس وانتصارهم وكذلك النداء الذي صدر عنه، انه يشكل فاتحة مباركة، كما نرجو، لحركة جماهيرية واسعة ينخرط فيها الناس وكل القوى والتنظيمات وهيئات المجتمع المدني على اتساعها وتنوعها، تفرض نفسها وتفرض رؤاها على كل الاطراف المعنية. فقد اثبتت تجربة عشر سنوات من ترك الامور لاطراف المشكلة للتوصل الى حل، في غياب الفعل الجماهيري، لم توصل الى اي نتيجة بل زادت الانقسام تجذراً وتشعباً وزادت النظام الفلسطيني العام ضعفا وترهلا. واذا كان من الطبيعي ان تكون لاي حراك شعبي الى جانب اهداف ومطالب ينادى بها ويطلبها من اطرافها المعنية بصراحة ووضوح تامين، فان هناك جوامع وثوابت جاهزة لا يفترض ان تكون في جوهرها موضع خلاف او جدل، ولا يجب المجاملة او التهيب تجاه من يخرج عليها. من اول هذه الجوامع والثوابت: - وحدة الإطار الوطني الجامع لكل الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني، ووحدانية تمثيله وهو منظمة التحرير الفلسطينية. وكل جدل منطقي ومطالب مشروعة حول التفعيل والتطوير والتجديد والحيوية لا يجب بحال ان تمس بهذا الثابت. - وحدة القيادة السياسية للشعب الفلسطيني ومركزية حكومته وشمولية ولايتها وبرنامج عملها على كل اراضي السلطة (الضفة الغربية وقطاع غزة). - وحدة البرنامج السياسي والنضالي الفلسطيني المقر بالتوافق من قوى ومكونات الشعب الفلسطيني. - اعتماد الديمقراطية، وفي اساسها الانتخابات العامة والدورية، في تقرير كل امور نظامنا السياسي العام وقضايا مجتمعنا. ومن الممكن ان يتم الاتفاق على ثوابت أُخرى او ان تفرضها الضرورة. لكن في اي حال لا يجوز ان يمتلك اي طرف حق النقض لأي ثابت من هذه الثوابت، او تعطيله، ولا يجب على المجتمع ممثلا بقواه التنظيمية والمجتمعية التهاون او السكوت على ذلك.