ما يزال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يحظى في استطلاعات الرأي بالنسبة الأعلى، كالشخص الملائم أكثر من منافسيه، لرئاسة الوزراء، في حدود 36 %؛ وأكبر منافس له لا يتجاوز نسبة 14 %. ورغم ذلك، فإنه يواجه انتقادات لاذعة، من كبار قادة الأجهزة الأمنية السابقين، والخبراء العسكريين، والكثير من صنّاع الرأي. وهو متهم بأنه يفرض توجهاته المتطرفة، حتى على حساب مخاطر أمنية "إسرائيل في غنى عنها"، مثل الاجراءات العدوانية في المسجد الأقصى. ومن ناحية أخرى، فإنه يغوص أكثر فأكثر في قضايا فساد متشعبة، وصلت الى حد "البقرة المقدسة": الجيش.
فقد دبّ نتنياهو كل طاقاته الإعلامية، كي يعرض انجازا، في قضية القاتل من السفارة في عمّان، ولكن هذا لم يشفع له في وسائل الإعلام الأكثر انتشارا وتأثيرا على الرأي العام؛ فإلى جانب استحسان إعادة طاقم السفارة مع القاتل، إلا أن الأجواء العامة، عبّر عنها المحلل العسكري عاموس هارئيل، في صحيفة "هآرتس"، بقوله، إنه لو وقعت جريمة الحارس "في أيام عادية، لما كانت كل هذه التبعات"، حسب تعبيره. والقصد منه، هو ما أقدم عليه نتنياهو من إجراءات استبدادية في محيط الحرم القدسي الشريف، بنصب البوابات الالكترونية، التي أثارت غضبا جماهيريا عارما "كانت إسرائيل في غنى عنه"، وفق الأجواء الإسرائيلية.
والتهمة لنتنياهو في هذه القضية، أنه فرض توجهاته اليمينية المتطرفة، مجنّدا إلى جانبه قيادة الشرطة، في حين أهمل موقف المخابرات العامة والجيش، الرافض لوضع البوابات، باعتبار أنها زائدة ولا حاجة لها. والأهمية هنا من ناحية إسرائيلية، أن موقف المخابرات والجيش، يستند الى "أجهزة التقييم والتقدير" في كلا الجهازين اللذين يعتبران "بقرة مقدسة" في الرأي العام الإسرائيلي.
وبموازاة هذا، فإن تورط نتنياهو في شبهات الفساد يتعمق بشكل كبير، وهو لم يستفد من الغضب والمواجهات في القدس المحتلة والضفة، لطمس هذه القضايا في وسائل الإعلام، التي واصلت النشر المكثف. والقضية الأخيرة، هي الأشد سخونة، كونها تصل إلى الجيش. إذ يتبين أن عددا من مستشاري ومساعدي نتنياهو، وموظفين كبار في المؤسسة الأمنية، متورطون في ابرام صفقة شراء ثلاث غواصات المانية، قال الجيش إنه ليس بحاجة إليها، إلا أن نتنياهو أصرّ على مواصلة الاتصالات لإبرام الصفقة. وتصر عدة جهات، على أن القضية ستطال نتنياهو شخصيا، لأنه لا يعقل أنه لم يكن يعلم بحجم الفساد حول هذه القضية. وقد تم استدعاء نتنياهو للتحقيق بالقضية.
قبل سبعة أشهر من الآن، كانت قضايا الفساد الأولى في أوج النشر عنها، وهناك من بدأ بالتكهن، وعَدّ أيام نتنياهو في الحكم، والحديث عن انتخابات مبكرة. وقيل هنا، إن هذا سابق لأوانه، فحسب التجربة، فإن هذه قضايا تأخذ وقتا طويلا حتى يتم البت فيها، خصوصا إذا كانت الشخصية المتورطة من اليمين المتطرف مثل نتنياهو. وهذا تقدير سارٍ أيضا الآن، إلا إذا ظهرت قضية أخرى، أو تفاصيل جديدة تستوجب تغيير هذا التقدير.
وعودة لاستطلاعات الرأي، فنتنياهو لا يحظى بشعبية فائقة، على العكس تماما، فهو يحظى بنسبة 36 % فقط، لأن الخيارات التي أمامه ضعيفة للغاية، وهو مستفيد من الوضع القائم، ويعرف هذا تماما. والأهم أن من يعملون في أجهزة الحكم، خصوصا المسؤولين في الشرطة والنيابة، يعرفون أنه فيما لو جرت انتخابات مبكرة، فإن نتنياهو سيقود الحكومة المقبلة، لذا فإن منهم من يحسب ألف حساب لمستقبل تقدمه في العمل، إلا إذا كان منهم من هم على أبواب التقاعد.
في الأيام الأخيرة، صرّح الرئيس الأسبق للمحكمة العليا الإسرائيلية، مئير شمغار، المحسوب على التيار اليميني، بأنه كان يتوقع أن يستقيل نتنياهو من رئاسة الحكومة، كي لا يتعارض بقاؤه مع سير سليم للتحقيقات الجارية. إلا أن القاضي شمغار (92 عاما)، يقول هذا من منطلقات نظام "الحكم السليم"، ولكن نظاما قائما على السلب والنهب والاحتلال والاستبداد، لا يمكنه أن يكون "سليما" وديمقراطيا. فكيف الحال حينما تقود عصابة كعصابات العالم السفلي حُكما كهذا، وفق وصف لجنة المتابعة العليا لقضايا فلسطينيي 48، في بيانها قبل أيام قليلة.