فى وقت واحد تقريبا استقبلت السعودية الزعيم الشيعى العراقى مقتدى الصدر لأول مرة منذ ١١ عاما، ودارت مواجهة دامية بين قواتها الأمنية وأطراف بلدة ذات أغلبية من الشيعة السعوديين شرقى البلاد.
لا يمكنك أن تنفتح على الشيعة العراقيين وتغلق الباب فى وجه شيعتك.
قد تقول: يتخذ شيعة عراقيون مواقف من إيران تسمح بالانفتاح، بينما يتخذ شيعة منا مواقف موالية لإيران تغلق هى بذاتها الباب.
أقول لك: لا تغفل عن إيران أو غيرها من الطامعين. إنما لا تخلط داخلك بخارجك، لو فعلت فلن تجنى سوى زرع أعضاء للخارج فى الداخل.
قضيتنا مع الشيعة العرب هى بذاتها قضيتنا مع اليهود العرب والمسيحيين العرب..
خسرنا اليهود العرب لأننا لفظناهم قوميا وخلطنا الداخل بالخارج، ونخسر اليوم المسيحيين العرب والشيعة العرب لأننا نلفظهم دينيا ونخلط الداخل بالخارج.
الخسارة شملت أيضا أغلب الأقوام والأعراق، التى مادامت من مكونات المنطقة، وداخل كل بلد منا على حدة، حتى بات كل منها ينزع نحو الانفصال عنا أو الهجرة بعيدا عنا. جنوب السودان ليس المثال الوحيد. والأكراد ليسوا المثال الأخير.
فى كل الأحوال أصابنا ومازال يصيبنا فى مقتل، تغليب ما هو قومى ثم ما هو دينى على ما هو وطنى. هل ترى سوى أنك تهدى جزءا من جسدك لغيرك، ولن أقول خصمك ثم تقعد ملوما محسورا تشتكى تداعى سائر الأعضاء؟
قضيتنا أو صراعنا مع الطامعين فينا وطنية على الدوام وليست أى شىء آخر. نحن جميعا فى منطقتنا وداخل كل بلد على حدة أديان مختلفة ومن أصول فرعية.
مختلفة لكنها كلها وطنية بطابع وطنى واحد. وأيا ما كان الوضع فأنت تواجه خصمك الخارجى بكل ما هو وطنى. الوطنية بذاتها هى مرادف التحرر والاستقلال والنمو والتطور والتقدم، بينما المشكلة الواضحة فى نماذج الدولة القومية ومن ثم الدينية أو الطائفية، التى خبرنا نتائجها السلبية جيدا أنها لم تكن سوى نماذج تابعة فى الأصل وليست أبدا مثالا للتحرر والاستقلال كما تزعم أو تروج لنفسها. نموذج الدولة القومية كما فى الحالة السورية انتهى أخيرا إلى استدعاء الروسى والإيرانى والطائفى، مثل حزب الله ذى القاعدة اللبنانية إلى الدفاع عنه. ونموذج الدولة الدينية كما يمثله الإخوان وبقية الفرق المماثلة يستدعون الأمريكى والإنجليزى والتركى والقطرى لمعاونتهم فى السيطرة والهيمنة على المنطقة وبلدانها المختلفة. فهل مثل هذا التماثل من قبيل الصدفة؟ بالطبع لا يمكن.
الصحيح بالقطع أن نماذج الدولة القومية ومن ثم الدينية، التى غمرت منطقتنا لم تكن سوى انعكاس للفشل المزمن فى بناء نموذج الدولة الوطنية الحديثة. وأنت تلحظ أن الصراع الدائر حاليا داخل المنطقة وبلدانها إنما بين ما هو وطنى وما هو دينى وطائفى. وإن صراعا من هذا النوع من شأنه تحديد شكل ومستقبل بلدان المنطقة. كذلك صرت ترى بنفسك ما يتوافر لنماذج الدولة الدينية والطائفية من إمكانات الصف المنظم والدعم المالى والمحور الإقليمى وشبه الدولى. فى حين ترى تيار الدولة الوطنية متناثرا ممزقا يفتقد الصف التنظيمى الجامع ليس على مستوى المنطقة فحسب بل داخل كل بلد منها فلا يحصد نصرا حاسما حتى فى حالة توافر الدعم المالى والإقليمى والدولى إلى جانبه.
أقول لك كلمة أبرك من عشرة: انتصار التيارات الوطنية مضمون إن لم يكن مرهونا بشىء واحد لا غيره. لو فهمنا لمرة واحدة أن الوطنية ليست خطابا زاعقا أو نازعا فى مواجهة خصم خارجى فقط. الوطنية بالأصل نظام سياسى - اجتماعى بثقافة وقيم وطنية تعتمد على تعددنا وتنوعنا واختلافنا داخل الوطن الواحد. هذه هى الدولة الوطنية الحديثة، التى بإمكانها أن تفتح أمامنا طريق الأمم والبلدان المعتبرة وتعوضنا عن غيرها من نماذج فاشلة لم تجلب لنا الاحتلال الأجنبى فقط وإنما أيضا أصابتنا بتخلف مزمن وألحقت بِنَا أخيرا عار الإرهاب والتوحش.
عن المصري اليوم