القاسم الخصم والحكم في حلقة "العلمانية" وندوة للنفيسي حول سقوط الخط الفاصل بين الموساد والمخابرات العربية

lina73.jpg
حجم الخط

 

أثبت فيصل القاسم أن التفوق صناعة هندسية، تسير على هدي طاقة بناءة ومتقدة، وهو يدير حلقة الاتجاه المعاكس التي ناقشت موضوع العلمانية، خاصة حين تعامل بحيادية كابحة تلجم جميع الأطراف لتنتصر فقط لنفسها، ولكن!
لو كنت مكان القاسم لما استدعيت «إبراهيم حمامي» للانضمام إلى البرنامج، ليس لأن (كيد الرهبان أو الإخوان غلب كيد النسوان) كما يقول المثل، وليس لأن المبالغة هي حرفة حمامي، إنما لأنه يسعى للنيل من خصمه كمتصيد لا كصياد، وهذا لا يؤهله ليكون طرفاً بنقاش حر وموضوعي، حول أي قضية أو فكرة أو وجهة نظر، وكان يكفي القاسم أن يكون الخصم والحكم في حلقة خرج منها الديك بسلة بيض فارغة لن تكفيه ليصيح! 
يُحسب لصاحب الاتجاه رفضه السماح لضيفه الآخر بالدفاع عن نفسه من تهمة الاعتداء على القرآن، التي وجهّها إليه حمامي، رافضاً الانجرار وراء الحروب الرخيصة، ليستقطب ولع المشاهد بلعبة قذف البيض، منقذاً ضيفه وقضيته من المشاهد ومن الديك في آن!

العروة الوثقى بين القاسم والدخيل

تعيدك حلقة الاتجاه المعاكس عن العلمانية إلى لقاء تركي الدخيل بالرئيس التركي طيب رجب أردوغان على قناة «العربية»، في فبراير الفائت، حيث سأله: «الكثير من العرب يجدون صعوبة في الجمع بين العلمانية والإسلام، كيف تجمعون أنتم بينهما»؟ 
أجاب الرئيس: «لا يمكن للأفراد أن يكونوا علمانيين، فالدولة هي التي يجب أن تكون علمانية النظام، بما يتيح التسامح مع كافة المعتقدات والوقوف على ذات المساحة من الأديان والأفراد على اختلاف عقائدهم، وضمان حرياتهم، وهناك من يحاول أن يؤوّل العلمانية على اعتبارها لا دينية، وهو غير صحيح»، ثم طلب الدخيل تعريفاً للعلمانية، ليوضح أردوغان أن العلمانية ليست ديناً، رافضاً اعتبارها نظاماً إلحادياً أو موقفاً ضد التطرف. فإلى أي مدى يختلف هذا التصور عن التصور العربي لها؟ وما هي العروة الوثقى بين سؤال القاسم وسؤال الدخيل عن العلمانية؟ هل نجح القاسم بفضح التصور العربي للعلمانية عندما تساءل عن الإباحة والانحلال في الإعلام العربي الذي تروّج له قنوات محسوبة على النظام السعودي كـ «العربية» و«الأم بي سي»؟ أم أخفق الدخيل بالالتفاف على ثنائية العلمنة والأسلمة بين الداخل والإقليم في السياسة التركية؟ قد تصعب الإجابة على كل هذه التساؤلات، بقدر سهولة التحايل عليها، وبصراحة قد لا تهم أبداً، ما دام الأهم منها هو أهمية طرحها وتأملها لا أكثر!

شيوخ عشيرة الديك

برع برنامج «جو شو» على قناة «العربي»، باستعراض أعراض التناقض السياسي لنظام الأسد، في قالب تهكمي يليق بمرارات الأمة، حيث ظهر أحد المطبلين بذات الخطبة العصماء وهو يستصرخ بالكاميرات هاتفاً: « نحن – كما قال السيد الرئيس – أساس الإسلام»، ثم في موضع آخر وبذات الصيحة: «نحن – كما قال السيد الرئيس – أساس العلمانية»، ليبدو المشهد منقسماً بين خصمين لا بين موقفين متناقضين لشخص واحد، وهذا يؤكد مهزلة التفسخ الرث للخطاب الإعلامي في سوريا الأسد، حتى ليهيأ إليك أن الدين والإسلام وجهان لعلمانية واحدة، والعلمانية والدين إخوة بالرضاعة، تماماً على طريقة المثل السوري «للقرعة مشطين، وللعمشا مكحلتين» ، وبعد هذا لا تتساءل لماذا يكون «للست جاريتين من أجل قلي بيضتين»، مادام الريس من عشيرة الديكة!
طيب ماذا عن إعلام السيسي؟ كيف يرى العلمانية؟ بل قل كيف يرى الإسلام؟ 
الفضائية المصرية استضافت الباحث الجدلي «سيد القمني»، الذي اعترف أن النبي الكريم لم يقتل مرتداً، لتسأله المذيعة: هل أنت كافر؟ طبعاً لم يجبها ولكنه تهرب باعتبار هذه مسألة بشرية لا دخل للرب فيها! رافضاً هذا العته – كما سمّاه – والتشويه والاغتيال المعنوي والنبذ الاجتماعي، الذي لم يتعرض له الكفار في الفترة المحمدية، مطالباً بالعلمانية وهو يضم صوته للسيسي الذي اعترض على سعي المليار ونصف لحكم سبعة مليارات في العالم، فأين هو العته بالضبط؟ 
إن كان القمني يطالب بالعلمانية من أجل حرية الإلحاد، وهو يؤكد ان الرسول الكريم لم يقم الحد على المرتدين أو الملحدين، فهذا يعني أن الإسلام سبق العلمانية وتفوق عليها بالتسامح الديني، فلماذا إذن يرفض السيسي أن تحكم الشريعة الإسلامية العالم، بينما يقبل على العلمانيين أن يحكموا بلا شريعة؟ هل بعد هذا ستسأل عن المؤامرة؟ ثم إن كان هناك تشويه مجحف يمارسه المتطرفون فيشوّهون به الدين قبل تشويههم للعصاة – كما يسمّونهم – فإن التشويه الذي يمارسه العلمانيون للإسلام أسوأ بكثير، وأكثر انحطاطاً! أليس كذلك؟

جواسيس جدعون والبيضة والحجر

من شاهد ندوة الدكتور عبد الله النفيسي يتحدث عن «جوردن توماس» في كتابه «جواسيس جدعون»، وكشفه للثغرات العربية التي أدت لانتصار الصهاينة، وعن سقوط الخط الفاصل بين الموساد والمخابرات العربية، وتوحيد النظام الأمني، والمعلومات والتعليمات والأهداف، يعرف الطامة التي وصلت إليها الأمة، خاصة وأن هؤلاء الحكّام لا يتجرأون على اليهودية والهندوسية والإلحاد كما يتجرأون على الإسلام! ولتعرف حجم التخادم والتداخل العميق بين هذه الأنظمة وبين الصهاينة عليك أن تقرأ «آفي شليم» وفضائح الزعماء العرب، وعن التحريات الاستخباراتية لعبد الناصر عن «برلنتي عبد الحميد» قبل ارتباطها بالمشير، ثم ما ذكرته لاحقاً في كتابها «المشير وأنا» لتنتقم من التاريخ، والحقيقة، وربما من مخاوف ناصر من لعبة جاسوسية، اتضح أنها تتعلق أولاً وأخيراً بالغدر! وكل هذا لا بد سيعيدك إلى قصيدة الديك لنزار قباني، فما أحلى الرجوع إليه!
تاهت الأمة في هذه المعمعة الإعلامية التي تفقس الحجر وترجم البيض، بعكس الرهان المعقود بينهما، فاختلط حابل السلال بنابلها، وتحول الحوار الفضائي إلى حلبة عشائرية للمناطحة بين الديكة، فهل تتوقع بعد كل هذا أن تخرج الأقنية سالمة من معافرة المتفرجين؟
قد تكون واقعة «الغلمان المخلدون» التي اندلعت على إثرها عاصفة فيسبوكية جبهوية، انقسمت بين مؤيد لحمامي ومعارض له، هي الدليل الوحيد على خروج «الاتجاه المعاكس» سالماً من معركة تنتيف الحواجب بين العلمانيين والإسلاميين، واكتفائه بالقبض على الشرارة المطفأة، تاركاً للجمهور أعواد الثقاب الشائطة!
المشاهد إذن ليس ضحية، ولا هو طعم، ولا يمكنك أن تعتبره شريكاً ولا مستهلكاً ولا حتى شاهد ما شفش حاجة، فالمشاهد عزيزي المشاهد، مجرد فرخة، لا تكتمل بدونها سلالة العشيرة! وسلامتكم!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن