ثلاثة أرباع العام مرت على فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، دون أن ينجح في تجاوز سياسة سلفه باراك أوباما فيما يخص الملف الفلسطيني/الإسرائيلي، ولا حتى على الصعيد الشكلي، البروتوكولي، بجمع قمتي هرمي السلطة على الجانبين، بحضوره، كما أنه لم يعلن حتى اللحظة أي موقف أو تصور لحل الصراع المحوري في الشرق الأوسط، هذا رغم أنه كان بدأ عهده بإطلاق الوعود والشعارات حول هذا الموضوع، وكان حدد صهره وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير، إضافة للمبعوث الخاص جيسون غرينبلات، إلا أنهما لم يعلنا شيئاً، كما أنهما أظهرا انحيازاً تاماً للجانب الإسرائيلي حين اندلعت أزمة الحرم الشهر الماضي، ما أفقدهما ثقة الجانب الفلسطيني.
يمكن القول الآن: إنه لا شيء يلوح في أفق التفاوض الفلسطيني/الإسرائيلي، وذلك لأن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية تدرك تماما أنه حين يكون على الجانب الآخر من طاولة التفاوض، طرف فلسطيني، فإن الأمر سيؤدي لا محالة إلى قيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر، أما إذا كان هناك طرف آخر، فإن التفاوض سيذهب إلى البحث عن الترتيبات الحدودية والأمن والعلاقات الثنائية والمصالح المشتركة وما إلى ذلك، ولإسرائيل في هذا الأمر سابقة، كانت بعد «إعلان» قيامها عام 1948، حيث عقدت أكثر من هدنة مع دول الجوار العربية، ثم عقدت أكثر من معاهدة سلام مع الدول العربية المجاورة، دون أن يكون هناك شرط إقامة دولة فلسطينية، بل ودون أن تقوم دول الجوار العربي ما بين عامي 1948_1967، بإقامة الدولة الفلسطينية على ما تبقى من أراض لم تحتل خلال تلك الفترة، والتي يحاول الشعب الفلسطيني بكفاحه المتواصل منذ 50 سنة أن يتجاوز خطيئة العرب تلك بإقامة دولته على تلك الأرض بالذات، ولكن بعد أن تغيرت الظروف، واحتلت تلك الأرض من قبل إسرائيل، التي ترفض الآن التنازل عنها.
في إعلانه الأول عدم تمسكه بحل الدولتين، الذي يعني ليس بالضرورة أن يتضمن الحل إقامة الدولة الفلسطينية، حين كان مرشحاً رئاسياً، دونالد ترامب، عاد وتراجع لكنه قال: إنه سيبارك أي حل يتوصل له الطرفان، والآن حتى روسيا تتخذ هذا الموقف، حيث أعلن وزير خارجيتها سيرجي لافروف، يوم الجمعة الماضي أن بديل حل الدولتين ممكن، لكن شريطة أن يجلس الطرفان إلى طاولة المفاوضات.
يمكن إذاً والحالة هذه أن يتم «تخريج الأمر» وفق هوى نتنياهو، على شكل مؤتمر دولي أو إقليمي كما كان قد بدأ الأمر قبل ربع قرن من الآن، في مدريد، أي بوجود الأطراف العربية، وفي الحقيقة كانت قمم الرياض التي عقدت في آخر أيار الماضي، يمكن أن تمثل هذا المخرج، فقط بمشاركة إسرائيل فيها، لولا أنها عقدت في العاصمة السعودية، لكنها لو عقدت في القاهرة أو عمان مثلاً، لتم الأمر، وهكذا يمكن العودة إلى الدخول في سراديب الحل الإقليمي، على أساس أنه لا يمكن حل الملف الفلسطيني/الإسرائيلي، إلا في سياق الترتيبات الإقليمية، وعلى أساس إقامة الحلف الأمني/الاقتصادي، بشراكة إسرائيل مع التجمع العربي.
هكذا، يمكن تجاوز مشكلة الحدود والأمن، وتجاوز حتى إقامة دولة فلسطينية كما يصر عليها الجانب الفلسطيني، لكن تبقى في الحقيقة النواة الصلبة العصية على الكسر والتجاوز هي القدس، وبالتحديد الحرم القدسي الشريف، لذا فإن إسرائيل تسابق الزمن _برأينا_ لاحتوائه، وما كان الشهر الماضي من مواجهة، ليس إلا بمثابة بروفة على ما يمكن أن يحدث، حيث لم تخسر إسرائيل تماماً، فقد سرقت وثائق ملكية العديد من مباني وأراضي البلدة القديمة، ولم تسلّم بالهزيمة، التي اضطرت لها حين أوشكت الأمور على اندلاع ثورة صلاة فلسطينية_عربية_إسلامية شاملة.
لم تسلّم إسرائيل التي تدرك أن كسب الحرب حول القدس، لن يكون سهلاً، ولن يكون بالضربة القاضية، فقد سمحت للمستوطنين بالدخول إلى الحرم، كذلك فإن تحريض بعض وزراء الحكومة وبعض النواب _يهودا غليك_ الذي «اعتصم» في باب الأسباط، أمس، احتجاجاً على منع النواب منذ العام ونصف العام من دخول المسجد الأقصى، ما زال مستمراً!
ستكون القدس هي مربط الفرس، وحيث إنه لم يعد للسلطة الفلسطينية و م.ت.ف وحتى فصائل العمل الوطني ما تخسره، فإنه لا يمكن تجاوز حالة الركود والمراوحة الحالية، إلا بحراك شعبي، كما حدث الشهر الماضي، وصولاً لثورة شعبية فلسطينية_عربية_إسلامية تصحح مسار الربيع العربي، فالفلسطينيون ومن ثم العرب وبعد ذلك المسلمون في كل الدنيا يختلفون فيما بينهم على أي شيء، وربما على كل شيء، لكنهم يتوحدون ضد إسرائيل، وحول المسجد الأقصى، وحيث إن الأنظمة العربية كلها، دون استثناء ضعيفة في مواجهة واشنطن وأضعف في مواجهة تل أبيب، وهي لا تساعد على تقدم المجتمعات العربية، وهي كابح في طريق تقدمها، فإن الاستمرار بالركون إلى أن النظام العربي القائم سيحمي الحقوق الفلسطينية أو العربية، ما هو إلا وهم، وليس هذا الأمر بحاجة إلى إثبات، لأنه واضح وضوح الشمس وغالبية المواطنين العرب يعرفونه حق المعرفة، لذا لا بد من تصرف القيادات الفلسطينية التي بدورها ستتعرض إلى التجديد الضروري ولكن على قاعدة المواجهة الميدانية مع إسرائيل، في القدس، بالبحث في ملف تفاوضي لن يكون ولا بمحاولة درء مخاطر الحل الإقليمي أو السلام الاقتصادي وحسب، بل أن تبدأ بإعداد ملفات مقارعة إسرائيل في المحافل الدولية، والأهم في التحضير لثورة القدس الشاملة، ورفع شعار أنه «لا حل دون المسجد الأقصى»، أما ترامب والذي يبدو أنه ينطبق عليه المثل الذي يقول: إنه مثل الراعي الذي «قبل غزاته كسر عصاته» فسيظل يتخبط لا يعرف أي حلبة مصارعة يدخل أولاً: حلبة المصارعة مع كوريا الشمالية أم مع إيران!